سوريا التي تعاني من أزمة انسانية لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية حادة وأوضاعا سياسية صعبة، فُرِضَت عليها من قبل نظام القمع والاستبداد، حيث أصبح سكانها أمام خيارين أحلاهما مر فإما الاستسلام للأمر الواقع، أو محاولة الهرب من البلاد، خياراتٌ كهذه تصبح ملاذاً للبعض سكان سوريا بعد يأسٍ من انتهاء ويلات الحرب.
لا يهم إلى أين المهم أن ينجوا بأنفسهم وأرواحهم من هذا البلد، بلد البراميل والمتفجرة والصواريخ الفراغية، التي دمرت منازلهم وممتلكاتهم، من قبل نظام احتل وطنهم واستبد فيه على مدى أكثر من خمسة عقود، يهربون من الموت المباشر في جحيم سوريا المستعرة، إلى موت لا يُعرف مكانه ولا زمانه وغالباً يكون في عرض البحر.
استيقظ “أنس” من أهالي ريف حماة على صوت جاره “غسان” الذي يحزم أمتعته مع عائلته للهجرة إلى خارج البلد، تاركاً الشقاء على بقي في بلدته التي أصبحت مرمى لصواريخ الأسد وبراميله، هي حكايةٌ تشبه في مضمونها حكاية الكثير من أهالي سوريا، التي دمرت منازلهم ومعها مصدر رزقهم، ويعيشون واقع البطالة والفقر ويحلمون بالسفر لدول أوروبية والعيش حياة رغدة ويجمعون فتات من تملكه أسرة ممّا تبقى لديها من مال، لينتهي بهم الحلم إلى طعام للأسماك المفترسة في عرض البحر المتوسط.
يقول أنس: “نصحت غسان بأن يلجأ إلى المخيمات مع عائلته، لكنه رفض قائلاً هل أنتظر منظمات الإغاثة لتقدم لي سلة غذائية كل شهر لأطعم أطفالي، سوف أسافر كغيري من البشر، سأسافر إلى احدى الدول الأوربية وأعمل هناك ونعيش بأمان وبكرامة، نصحته بعدم الهجرة الغير شرعية بالبحر، لما نسمعه عن جشع المهربين الذين يحشرون أكثر من ألف مهاجر في قارب صيد، لا يتسع لـ 200 شخص وغالبا ما تصبح قوارب موت، فأجابني هناك سأموت مرة واحدة أما إن بقيت هنا فسأموت كل يوم، ودعني بعيون فاضت بالدمع وكأنها على دراية بما سيحصل”.
يضيف أنس “ماهي إلا أسابيع قليلة حتى جاء خبر غرق المركب الذي خرج من لبنان إلى إيطاليا، والذي كان على متنه “غسان وعائلته” والسبب هو قوارب الصيد المهترئة، تلك التي يغريهم بها المهربون ووعدهم لهم بنقلهم إلى أرض آمنة لقاء مبالغ مالية مرتفعة، لتغرق قبل وصولها مخلفة عشرات الضحايا جلهم من الأطفال والنساء”.
بالطبع هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، حيث كشفت أرقام رسمية أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا شواطئ القارة الأوروبية من الدول العربية، بلغ 140 ألفًا منذ بدء الربيع العربي في العام 2011 وحتى منتصف 2014 وقدرت المنظمة الدولية للهجرة حصيلة قتلى عام 2015 حتى الآن، بأنها أكثر بـ30 مرة مما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الفائت، والمهاجرين من أربع جنسيات عربية (سوريون، فلسطينيون، مصريون، سودانيون).
وتشكل السويد وألمانيا الوجهتين الأوليين للاجئين السوريين، لما تتمتعان به من سمعة جيدة كبلد استقبال للاجئين، وتعد ليبيا وجهة العدين من الذين ينوون الدخول إلى أوروبا بطرق غير شرعية، أما بالنسبة للبنان فيعد أيضاً المحطة الأساسية بالنسبة إلى السوريين، إذ يقطن في هذا البلد العدد الأكبر منهم، حيث يتحدث مسؤولون لبنانيون عن وجود 1.3 مليون نازح سوري.
يهربون من الموت إلى الموت هكذا تلاحق المعاناة السوريين الى ما بعد حدود الحرب، لتذلهم في مخيمات اللجوء وتعرضهم للمخاطر في طريقهم للبحث عن الحياة والسلام والأمان.
المصدر: اتحاد الديمقراطيين السوريين