من أقصى الجنوبِ، إلى شمال الوطن، هجراتٌ وشتات، ومآسٍ وخيبات، تكمن في قلب أبي عباس، الذي ماتبقى من أمتعته، وضعها على كتفه.
يقول أبو عباس: “هُجِّرنا قسراً من ريف حماة إلى الريف الجنوبي لإدلب، لتتبعنا آلة القتل التي لاترحم، ونكمل مسيرة الهجرة نحو إدلب المدينة حيث مخيمات اللجوء، واليوم هجرتنا الظروف، وضمير العالم النائم، هجروني هجرتي الرابعة”.
أغلقت الأبواب بوجه أبو عباس وبوجوه سكان مخيمات الشمال، فالمطر والطين ينهال عليهم من كل جانب، يجرف ما كان يأويهم، ويزيل الغطاء الساتر لهم، لتنزل بهم أوضاع مأساوية، عسى ولعل أن يتطلع العالم بأسره نحو معاناةٍ أرقتهم طوال سنوات الهجرة، لكن كما يقول أبو عباس “لايؤلم الجرح إلا من به ألم”.
اقرأ أيضاً:آلام النازحين في الشمال السوري لم تنتهِ .. فمن المعني؟
سار أبو عباس، نحو أرضٍ جافة، فالطين أغرقهم، لم تعد تلك الخيام تسكن، حتى اقتلاعها وبناءها من جديد، ويقول: ” ضاقت الدنيا بي، المطر والماء مع الطين دمرا الخيمة وأغرقاها، حملت ما استطعت إخراجه، وذهبت نحو مخيمٍ أفضل حالاً عند أهل زوجتي، فمخيمهم مبني على صخر، ومخيمنا في وادٍ من التراب الأحمر واجتمعت به المياه، فأصبح بحرا من طين”.
يأمل أبو عباس كغيره من النازحين بعودة نحو منزله لا أكثر، فخيامٌ أو غرفة وحتى قصرٌ في الغربة، لايعوضُ عن تراب قريته المحبوبة، “مطلبنا الأول العودة، وإن لن نعود، عاملونا بإنسانية، فالخيام لم تعد تحتمل ولا تقي حراً ولا زمهريرا”.
لحظات كارثية عاشها قاطنو المخيمات المنكوبة أثناء اشتداد هطول المطر وبدء الفيضانات، خوف وهلعٌ في القلوب، خيمة تطير هنا، وأخرى تغرق هناك، والخاسر الوحيد هو النازح السوري، ومن يسكن في منزل اسمنتي لن يقدر حجم المعاناة مهما كان ذا قلب رحيم.
بقلم:إبراهيم الخطيب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع