“قد يكون من الصعب نيل الحرية.. لكن الأصعب ترك الرفاق خلف القضبان يذرفون الدموع وهم يودعون من شاركهم مرارة الألم والمعاناة.. لن أنسى 550 شخصاً كانوا لي بمثابة الأخوة، وسأسعى بجسد أطلق سراحه وقلب مازال بينهم مهتما بهم، لينالوا حريتهم من جديد”.. تلك كلمات الشاب مخلص ( 25عاماً) من الريف الحموي الشمالي الغربي، بعد الإفراج عنه من سجن حماه المركزي تاركاً وراءه قلبا منكسرا يملؤه الحزن على من بقي فيه راجياً الله لهم بالفرج العاجل.
“مخلص” لم يكن شاباً عاديا امتزج بجسده الرياضي شعلة الفكر والثقافة وحب الوطن والحرية التي تظاهر لها مع رفاقه في ساحات شهدت له إخلاص القلب والتفاني في العمل والدأب المضني، ولأن الفرح يأتي متتابعاً كان عليه أن يبتسم مع رفاق نادوا مثلة بحرية طال انتظارها، رفاق شاركوه الثورة في أيامها الأولى، وشاركوه ليالي المداهمات الأمنية، وشاركوه ليالي السجن وساعات التعذيب التي لا تطيقها الجبال بحد ذاتها.
لكن مع نظام سفاح رئيسه، ومجرمون قادته، ما عرف عنه إلا الهمجية وفقدان الشرعية، بات من الصعب أن يركب مخلص قارب الحرية ويبحر في موج نظام حاقد منذ القدم لأهل مدينة عانت القسوة والألم والعنف والدمار، وشبعت عيون أبنائها التي تشخص من الخوف في كل لحظة منذ ربع قرن، شبعت من مناظر قتل الأهل أمامها.
خيم حزن شديد على قلب أمه، لكنها لم تكن الوحيدة، فهنا كثير من مثيلاتها ممن اطفأت مصابيح منازلهن بعد اعتقال أبنائهن في عام 2012.
أمضى لاعب الطليعة الحموي وطالب كلية الرياضة “مخلص” عاماً ونصفا من التنقلات بين فروع الأمن، من وجع إلى وجع لتنزع منه اعترافات جرائم لم يرتكبها، كعادة نظام عرف عنه تحضير التهم مسبقاً لتلصق بالمتهمين لتهويل وتكبير الجرم الذي تكون عقوبته في آخر المطاف حكم “محكمة إرهابية” شماعة الاجرام التي يعلق عليها النظام.
وبالرغم من كل الآلام لم يدع مخلص نظام بشار يلون حياته بالسواد.. وبمحاولات متكررة استطاع أخذ موافقة من مدير السجن ليكمل دراسته الجامعية ويحصل بعد العناء على شهادته الجامعية في 2015.
يكشف مخلص عن سجن طالت لياليه سنين طوال قائلاً “كنت من بين المساجين الذين رفضوا السكوت عن ظلم لا يطاق وشكلنا الاستعصاء الأول والثاني والثالث وكنت أعرف فيها برأس الحربة وإعلامي السجن الذي ينقل الأحداث من خلال الصور والفيديوهات ولم أتوان عن الحديث مع قناة الجزيرة والعربية مع مجموعة من رفاق السجن بعد تقديم الرشاوي لزبانية النظام ممن تعلو رؤوسهم الفارغة جدران سجنهم اللعين، وطبعاً حصولنا على الجوال كان أملا لنا بالتواصل والنجاة”.
“مخلص” ونشاطه الإعلامي لحملات مناصرة لنصرة المعتقلين على صفحات النت وتوثيقه للأحداث داخل السجون جعله يعرف بين الناشطين باسم “إعلامي سجن حماه المركزي” أو “الأسير أبو أنس الحموي”.
مع ربط المصيبة التي أحلت بالروس أعوان النظام بمقتل الطيارين في ريف إدلب، جرت صفقة تبادل الأسرى بين الثوار والنظام مقابل جثث الطيارين، حيث أفرج عن الناشط العضو في المركز الصحفي السوري “مخلص” وعلى 86 آخرين من معتقل السجن المركزي حماه في 7 أيلول لينالوا حرية طال انتظارها، على أمل الفرحة الكبرى بنيل الحرية التي لاحت بوادرها في أفق سوريا”.. لكن مخلص لم تكتمل لديه الفرحة، فقد قادته الشرطة العسكرية هو و21 معتقلا من ال86 المفرج عنهم إلى الخدمة الإلزامية، ولكن للقدر تدابير أخرى، فقد صدر بحقهم قرار تجريم جديد هو اسقاط الجنسية ولذلك تم تسريحهم، يا إلهي نظام فاقد الشرعية والقيم الإنسانية وكافة المعايير الأخلاقية، يسقط الجنسية عن الشعب ويمنحها لمرتزقة ميليشيات إيرانية مستجلبة من الخارج؟!
المركز الصحفي السوري- بيان الأحمد