رأي القدس العربي
أفادت وكالة أنباء النظام السوري الرسمية باستشهاد ثلاثة مدنيين وجرح آخرين جراء سقوط شظايا ناجمة عن غارات إسرائيلية شُنت فجر أمس على مواقع قرب دمشق، ولكن مصادر أخرى أشارت إلى مقتل أربعة من أفراد الميليشيات الموالية لإيران والتي تتمركز في مناطق مختلفة حول العاصمة وفي محيط مطار المزة العسكري. وعلى جري عادتها، إلا في مناسبات نادرة، التزمت دولة الاحتلال الإسرائيلي الصمت تجاه تأكيد أو نفي مسؤوليتها عن الغارات، رغم أن تقارير صحافية متقاطعة أوردت أن الطيران الحربي الإسرائيلي استهدف تلك المواقع بقصف صاروخي عبر الأجواء اللبنانية.
وتاريخ الإغارات الإسرائيلية على مواقع عسكرية في عمق الأراضي السورية طويل وحافل، وعدد الغارات يُحسب بعشرات الآلاف في عهد رئيس النظام بشار الأسد وحده، ولعل الأبرز فيها قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا في عام 2011 كان تدمير موقع الكبر قرب مدينة دير الزور في أيلول/ سبتمبر 2007، وسبقه تحليق فوق قصر الأسد في 2003 و2006 لإيصال رسائل رمزية حول المدى الذي يمكن أن يبلغه الطيران الإسرائيلي. بعد الانتفاضة، وتحديداً منذ العام 2013 حين تدخلت إيران و«حزب الله» عسكرياً لصالح النظام، تكثفت الغارات حتى أصبحت شبه روتينية وتحتل مرتبة ثانوية في صدارة الأخبار العاجلة.
عناصر كثيرة تلفت الانتباه في هذه الغارات، قد يكون أبرزها ردود فعل النظام السوري وحلفائه التي تتسم غالباً بالامتناع عن أي عمل عسكري مضاد والاكتفاء بتهديدات جوفاء حول اختيار الموعد المناسب للرد، أو اللجوء إلى مغامرات محدودة ومفضوحة لا تثير إلا السخرية. وفي الوقت ذاته تكون قوات النظام والميليشيات الموالية لإيران في ذروة استشراسها ضد أبناء الشعب السوري في مخيمات اللجوء والمشافي والمدارس والمخابز والأسواق العامة. ولا جديد تحت الشمس في هذا الوضع الثابت.
العنصر الثاني اللافت هو الصمت المماثل، الذي يرقى إلى مستوى التواطؤ الواضح أحياناً، من جانب القوات الروسية المرابطة قريباً من مواقع مختلفة يستهدفها الطيران الحربي الإسرائيلي، حتى في حالات بلغ فيها الاحتكاك درجة حساسة قصوى مثل إسقاط دفاعات النظام السوري طائرة روسية في أيلول/ سبتمبر 2018 كان على متنها 14 عسكرياً روسياً. ومن المعروف أن موسكو تنشر في منطقة الساحل السوري تحديداً عدداً من معدات الرصد والرادار الأكثر تطوراً في العالم، والسكوت الروسي عن الغارات الإسرائيلية لا يعني موافقة الكرملين على الضربات فقط، بل يشير إلى أنها يمكن أن تخدم استراتيجية روسية بعيدة المدى تسعى إلى تحجيم الوجود العسكري والسياسي الإيراني في سوريا.
وعشية الغارات الأخيرة التي استهدفت مطار المزة العسكري كان وزير دفاع دولة الاحتلال نفتالي بينيت قد ألمح إلى مستوى تصعيدي جديد ضد إيران وميليشياتها في سوريا، حين طالب الصحافيين بأن «يُبقوا آذانهم مفتوحة. لقد انتقلنا من سياسة حصار إيران إلى دفعها خارجاً». وإزاء التكالب الإيراني على أقدار سوريا والعربدة الإسرائيلية في أجوائها يواصل النظام السوري انحداره على حضيض بعد آخر من التبعية والعجز، من دون أن يتوقف عن تخريب البلد وقهر كرامة أبنائه وتشريدهم وتجويعهم، والإمعان أكثر في إشاعة الفساد وتبديد الثروات.