بخصوص تصويت مصر لمصلحة مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن في شأن الأزمة السورية، فإنه ينبغي التنويه إلى معنى أخلاقي مهم هنا، وهو أن الذين صمتوا لأنهم أخوان مسلمون أو متعاطفين معهم، عن استنكار ما أسماه الرئيس المعزول محمد مرسي «توافقاً وتكاملاً وتنسيقاً عالياً» بين الجانبين المصري والروسي بخصوص سورية، مطالبون اليوم بالتوقف عن انتقاد الموقف المصري. والعكس صحيح، فالذين كانوا يصورون مواقف مرسي تلك على أنها شق للصف العربي، وارتماء بين أحضان إيران وروسيا، لا يمكنهم «الطبطبة» على ما حدث أخيراً في مجلس الأمن، إذ إن تصويت المندوب المصري على مشروعين مختلفين بخصوص سورية – الفرنسي والمشروع الروسي – من حيث النتيجة، أظهر أنه كان يبيع ويشتري سياسياً على كرسيه، ولم يكن في ذهنه على الإطلاق توحيد الموقف العربي، ولا العرب، ولا حلب، ولا أهالي حلب!
من الناحية السياسية، يمكن تبرير هذا الموقف بالنظر إلى رؤية الجانب المصري إلى مآلات العبث الحاصل في مجلس الأمن، الذي بالمناسبة كانت السعودية رفضت شغل مقعدها فيه 2014-2015، على رغم انتخابها، بسبب ما وصفته بازدواجية المعايير. لذلك تبدو حسابات المصريين خلصت إلى أنه لا قيمة لصوت مصر من الناحية الفعلية في المحصلة النهائية، نظراً لـ«الفيتو» الروسي المنتظر على مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا وإسبانيا، وفي المقابل لا يمكن تمرير القرار الروسي بسبب الرفض الجمعي الدولي المتوقع، بناءً عليه فإن الخروج من الجلسة بمكاسب سياسية خاصة بمصر كان هو الهدف المرحلي بالنسبة إليهم. هذا الشأن لا يمكن منازعة السياسة الخارجية المصرية عليه في الواقع، وإن كان يمثل طعنة في خاصرة توحيد الجهد العربي أمام التحديات التي تواجه المنطقة العربية برمتها، ومن دون استثناء، وتحتاج إلى المواقف السياسية التي تدعم محاولات اللملمة والردم التي تقوم بها الحكومات العربية التي حافظت على توازنها أثناء «خضات» الربيع العربي.
سياسياً، يحفل تاريخ مستقبل المنطقة بالكثير من أوجه التناقضات، وفي هذا السياق يمكن تذكر الموقف التركي الداعم للسوريين على مدى خمس سنوات، لكنه في المقابل يقيم أهم العلاقات الاستراتيجية والتجارية مع الإيرانيين والروس أعداء السوريين!
مقارنة السياسة التركية بالموقف المصري من جهة العمل على المسارات كافة التي تحقق المصلحة لدولهم أولاً وقبل كل شيء، إنما هو بالإشارة إلى حجم المساحة التي يمكن للدول أن تتحرك من خلالها في مساعيها الدولية، وإن كانت دلالة الصوتين المصريين أول من أمس في مجلس الأمن تشير نحو غياب المنهجية السياسية الخارجية المدروسة، وإلى أن لدى المصريين رؤى يكاد الكثير منها يغيب عن خريطة التلاقي مع أشقائها الداعمين.
تصويت مصر لمصلحة مشروع القرار الروسي مؤلم، هذا صحيح، لكن الموقف المصري من القضية السورية ليس مفاجئاً، وكذلك الاختلاف في وجهات النظر بين الرياض والقاهرة حول تصور المشهد السوري ليس جديداً، إنما الذي طرأ هو نوع من الاهتزاز في الثقة التي منحها قسم كبير من الشارع العربي لمصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لما لها من مكانة مهمة في منظومة التكامل العربي في مواجهة الظروف الإقليمية العصيبة، والتحديات الدولية التي تطحن «رحا» منطقتنا في سبيل تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
المأمول من مصر كبير جداً، على رغم صعوبة ما تواجهه الدولة المصرية من ضغوطات اقتصادية وسياسية، داخلية وخارجية، إلا أن مكانتها التي تحاول الدفاع عنها لا ينبغي تشكيلها بعيداً عن عمقها الذي يحاول مساندتها، فالجميع اليوم في مركب النجاة سواسية، والجميع اليوم مطالب بالمحافظة عليه، كل في ما يخصه، فلا الزمان ولا المكان يحتمل مزيداً من التهاون أو التراخي عن محاولة «كبح جماح» هذا النزف من الدم العربي الذي «يراق» على قارعة المواقف الفارغة، إلا من المزايدات.
الحياة اللندنية