المركز الصحفي السوري
أحمد صباح
تودّع أم حسان ولدها الوحيد, ولم تكن تلك لوعة الفراق الأولى, فقد غُيّب قبل ذلك عن عائلته المكونة من أم وزوجة وطفلين, أكثر من مرّة في معتقلات النظام.
قرر حسان الهجرة إلى أوربا بعد أن استنفذ حظوظه على أرض الوطن, حيث فصل من وظيفته في المطاحن بسبب نشاطه الثوري.
لم يكن وحده فقد كان برفقته كلٌّ من علي, ومحمد, وعزام, وجميعهم من أبناء مدينة السلمية.
المدينة ذات التنوع الثقافي, والمذهبي, الرابضة على هضبة على بعد ثلاثين كيلو متراً من مدينة حماة, والتي خرج منها يوماً عبيد الله المهدي ليكون خليفة الدولة الفاطمية الأول, كما أنها أنجبت الأديب الساخر محمد الماغوط, يربو عدد سكانها عن مئة ألف متعددو المشارب, والثقافات, والانتماءات الدينية, والمذهبية .
تقودهم الأحلام الى بلاد الحريات, بلاد المال والأعمال, وقد أنستهم تلك الأضواء المبهرة التكاليف الباهظة, التي يحملونها معهم, وما هي إلا شقاء العمر ومدّخرات السنين, يحلمون فقط باللحظة التي يصلون فيها الى أرض الميعاد, واللحظة التي يستطيعون فيها الحصول على حق (لمّ الشمل), والذي يشكل أمنية وغاية كلّ مهاجر.
تذكر الاحصاءات(مركز دراسات الجمهورية) أن مبلغاً يفوق (ثمانمائة وتسعون مليون دولاراً) هو ما أنفقه الشعب السوري لقاء الوصول الى إحدى الدول الصناعية, على شكل أجور, ورسوم, عدا عن كلفة التهريب الباهظة, وذلك حتى منتصف عام 2014م حسب الاحصائية, التي تشير في الوقت نفسه إلى أن ستة وثلاثين ألف سوري مازالوا بانتظار الموافقة على طلبات لجوئهم, نجح قبلهم أكثر من مئة وثلاثين ألفاً في الوصول, عبر جزء كبير منهم البحر في قوارب الموت, ما أدى الى مقتل العشرات منهم غرقاً في البحر أو على يد المهربين.
وهناك مهربين على الحدود السورية التركية, تجمهرت مجموعة منهم حول حسان ورفاقه كالذباب, وما حسان ورفاقه الا غرقى يبحثون عن قشّة تعبر بهم الحدود, وليس أبرع من شريحة المهربين في اللعب على وتر حاجات السوريين المنكوبين وضرورات الظروف التي تفرض عليهم, فيصورون لهم رحلة العبور محفوفة بالورد والياسمين, وأن ما يتقاضونه لقاء ذلك من مبالغ مبالغ زهيدة, وأن عملهم مجرد خدمة انسانية منهم لإخوتهم المحتاجين.
يستمع حسان و يعلم أنّه سيرضخ لشروط احدهم, فالمعابر النظامية مغلقة منذ أيام.
فقد أغلقت الحكومة التركية معبري(باب الهوى), و(باب السلامة) في النصف الأول من شهر آذار الجاري أمام المسافرين السوريين الى الأراضي التركية الى أجل غير مسمّى, ودون توضيح الأسباب.
ويا له من طريق ذلك الذي سلكه حسان ورفاقه, يتلوّى بين الهضاب والمرتفعات كأفعى عظيمة يتخفى الموت بين ثناياها وانحناءاتها الطبيعية, ويتحاشى الشجعان عبورها بعد أن تحل العتمة في المكان, ليس لظروف الطبيعة فحسب, بل خشية قطاع الطرق واللصوص الذين وجدوا على تلك الطرقات فرصة لكسب المال, وما من صيد أثمن من مجموعة من المهاجرين إلى أوربا, ومحافظهم تضيق عن المبالغ التي يحملونها لتغطية اتعاب سفرهم, وربما يكون القتل مصير الضحايا, خاصة إن كانت هويّاتهم الشخصية تحمل معلومات تثبت انتماءهم الى مناطق ذات خصوصية طائفية أو سياسية معينة, وبذلك تضيع شبهة القتل من أجل المال, وتتسع دائرة المشتبه بهم.
نعت صفحات الكترونية يديرها ناشطون سلمونيون أربعة رجال من المدينة وهم: عزام صليبي ذو الثلاثين عاماً, والهارب من الخدمة الاحتياطية في جيش النظام, ومحمد فطوم الطالب العشريني الهارب من خدمة العلم, ومحمد الجرف, وحسان الحركة, على يد قطاع طرق في ريف ادلب الشمالي, كما وصفت المصادر وقد نهبت اموالهم وأمتعتهم وعذبوا قبل أن يلقوا يقتلوا.
عاد حسان الى مدينته السلمية, وأمّه, وعائلته, التي كانت تحلم بوصوله ارض الميعاد, وعلى أمل اللحاق به من خلال (لمّ الشمل), وصل مع رفاقه الثلاثة, الى مدينتهم المحشورة بين سندان النظام وقوات الدفاع الوطني ومنتسبيها من ذات المدينة, ومطرقة الانتماء الطائفي الذي ينتمي إليه الجزء الأكبر من سكانها, ولم يشفع لبعضهم انخراطه في صفوف الثورة منذ انطلاقتها, وربما قبل ذلك, في ظل الاصطفافات القائمة اليوم في سوريا.
ترى هل تستطيع الفصائل العاملة في تلك المنطقة من معرفة الفاعلين, عشية الحديث عن معارك فاصلة يجهز لها على مستوى المنطقة؟
المركز الصحفي السوري
أحمد صباح