“حماة الصداقة 2016” هذا هو اسم المناورات التي انطلقت اليوم في منطقة العلمين غربي مصر بمشاركة وحدات من القوات الخاصة في كل من مصروروسيا، وأثارت تساؤلات حول هدفها ورسائلها المحتملة.
ويشارك في المناورات أكثر من 500 عسكري من البلدين وطائرات وآليات عسكرية، ويفترض أن تقوم خلالها وحدات من القوات الخاصة من الدولتين بالتدريب على مهام القضاء على مجموعات مسلحة غير مشروعة مفترضة في الصحراء.
وهذه التدريبات العسكرية المشتركة هي الثانية بين البلدين بعد المناورات التي جرت في مياه البحر الأبيض المتوسط في يونيو/حزيران من العام الماضي، وشهدت مشاركة لافتة للطراد الصاروخي الروسي “موسكفا”، رائد الأسطول البحري الروسي في البحر الأسود.
لكن مناورات العام الحالي تأتي في سياق أكثر تعقيدا، تتضح أولى دوائره في توتر متصاعد بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة ما دفع موسكو ربما إلى نوع من استعراض القوة العسكرية عبر سلسلة من المناورات والتدريبات العسكرية سواء في روسيا أو خارجها، كما حدث في مياه البحر الأبيض الشهر الماضي بمشاركة سفن مزودة بصواريخ بعيدة المدى.
أما ثاني دوائر التوتر فهي ما يتصل بما يجري على الصعيد الإقليمي، خصوصا ما بدا في الفترة الأخيرة من تباعد بشأن الموقف من سوريا بين السلطة المصرية الحالية برئاسة عبد الفتاح السيسي، والسعودية التي مثلت الداعم الأكبر لهذه السلطة منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو/تموز 2013.
ولم يكن خافيا أن مصر السيسي تفضل بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا ربما خوفا من البديل المحتمل، وهو ما يقترب كثيرا من موقف روسيا التي لم تكتف بالدعم السياسي للأسد، بل أرسلت جيشها للقتال إلى جانبه وسحق معارضيه، في حين أن السعودية تأتي في صدارة القوى الإقليمية الراغبة بل الساعية إلى الإطاحة ببشار الذي يواجه منذ 2011 ثورة شعبية تطورت سريعا إلى صراع داخلي وإقليمي ودولي أيضا.
رغم ذلك، فإن التطورات الأخيرة المتمثلة في تصويت مصر لصالح قرار روسي بشأن سوريا في مجلس الأمن، بدت وكأنها وجهت ضربة مؤثرة للعلاقات المصرية السعودية، حتى إن سفير الأخيرة في مجلس الأمن وجه انتقادا علنيا نادرا إلى مصر، واعتبر أن موقفها خالف الإجماع العربي وجاء أبعد من مواقف دول غير عربية كالسنغال وماليزيا.
على هذه الخلفية، اعتبر موقع حزب الحرية والعدالة الممثل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها السلطات المصرية الحالية وصنفتها جماعة إرهابية، أن “السيسي يصر بخطوة المناورات مع روسيا على استفزاز السعودية، خاصة أن المناورات تأتي في سياق دولي وإقليمي معقد تشهد فيه العلاقات المصرية السعودية توترات غير مسبوقة على خلفية تصويت المندوب المصري في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي الذي خالف به التوافق العربي”.
لكن الخبير السياسي المصري بشير عبد الفتاح لا يرى أن هذه المناورات ستزيد من تأزيم العلاقات المصرية السعودية ويقول في تصريحات صحفية إن التصويت الأخير مجرد مجاملة لروسيا، كما أن الموقف المصري من الملف السوري معروف من البداية، ويتمثل في معارضة الإطاحة ببشار الأسد خوفا من البديل.
يس وليد اللحظة
بدوره، يرى المحلل السياسي سامح راشد أن المناورات لا تمثل رسالة لأميركا أو غيرها بقدر ما هي حسابات مصرية للتعامل مع توجه أميركي بالابتعاد تدريجيا عن المنطقة والتخلي عن دور الدولة العظمى تجاه قضاياها.
ويدلل راشد، وهو خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، على ذلك بأن التعاون العسكري المصري الروسي ليس مفاجئا، بل يعود إلى بروتوكول وقع منذ نحو عام ونصف، ويتضمن أوجها مختلفة للتعاون العسكري، تشمل التسليح والتدريب وتبادل المعلومات.
وعليه فإن التعاون بين البلدين ليس وليد اللحظة ولا تعبيرا عن رد فعل سريع، وفقا لراشد الذي يؤكد أن التوجه المصري نحو روسيا هو خطوة درست مبكرا ومضت فيها القاهرة قدما.
على صعيد آخر، يرى المحلل السياسي المصري أن اختيار ساحة المناورات في الصحراء الغربية وقبلها مياهالبحر المتوسط قرب الحدود مع ليبيا يشير إلى أن بوصلة الاهتمام تتجه نحو الجانب الغربي من الحدود، وهو أمر ليس جديدا لمصر، لكنه جديد لروسيا التي قد تكون في وارد الاستعداد لعمليات محتملة في شمال أفريقيا أو منطقة الساحل والصحراء.
ويسترسل راشد مؤكدا أن دلالة المناورات ورسائلها قد تكون أوضح من جانب روسيا التي امتلكت بالفعل قدما ثقيلة في شرقي المتوسط وتبدو في طريقها لوضع قدم أخرى في غربي المتوسط وربما شمال أفريقيا، وغطاؤها المعلن في ذلك سيكون هو الغطاء المعتاد؛ مكافحة الإرهاب.
المثير أن الإعلام الروسي تعامل من جانبه بطريقة المناكفة التي تشيع في العالم العربي حاليا، فقد قال موقع “روسيا اليوم” إن إعلان روسيا عن المناورات مع مصر “كان له وقع الصدمة على العديد من الدول والتنظيمات الدولية التي حاولت العبث بالعلاقات الثنائية بين الدولتين”.
واعتبر الموقع أن المناورات تمثل مظهرا جديدا للعلاقة الخاصة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري السيسي الذي حظي بدعم روسي واضح منذ توليه الرئاسة بعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها الرئيس المعزول محمد مرسي.
كما وصف الموقع وجهات النظر المصرية والروسية بأنها تكاد تكون متطابقة في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب على المستوى الدولي، حيث تعتقد موسكو أن الاستراتيجية الأميركية بهذا الشأن انتقائية وغير فاعلة.
ويبقى أن هذه المناورات وتطورات أخرى على صعيد التقارب المصري الروسي، أثارت تقارير تتحدث عن رغبة روسيا في إنشاء قاعدة عسكرية لها في سيدي براني بمصر، لكن الرئيس المصري نفى وجود ذلك أوالسماح به مستقبلا، وذلك في حوار صحفي نشرته الصحف الرئيسية الصادرة اليوم في القاهرة.
الجزيرة