فايز سارة
مضى نحو 4 سنوات على انطلاقة ثورة السوريين ضد نظام الأسد، ووقعت في تلك السنوات حوادث وأحداث، كلها قتل وجرح واعتقال واختفاء وتهجير وتدمير للممتلكات الفردية والعامة، إلى درجة يمكن القول معها إن السوريين تحولوا إلى ضحايا، وسوريا إلى خراب، والأمر مستمر، بل ومتصاعد بعد أن انضم إلى إرهاب النظام ودماره إرهاب ودمار جماعات التطرف والإرهاب، وهما يسيطران على غالبية مساحة البلاد، والتي لم يتبقَّ من مساحتها تحت يد قوى المعارضة المسلحة إلا مناطق محدودة، وجزر محاصرة من جانب النظام والمتطرفين هنا وهناك.
ولم يكن لهذا السياق أن يستمر ويتصاعد لولا أن المجتمع الدولي تقاعس عن القيام بمسؤولياته في معالجة الوضع السوري، وعزف عن تشكيل قوة حاسمة تضع حدا للتطورات الدموية التي وسعت حضورها خارج سوريا من خلال توسع مدى نفوذ وانتشار جماعات التطرف، وبخاصة «داعش»، التي باتت اليوم كيانا إقليميا حاضرا في سوريا والعراق ولبنان، ولها نشاط خفي في معظم أنحاء المنطقة وفي الأبعد منها عبر خلايا نائمة، تنتظر نضج الظروف للصعود على خشبة مسرح تلك البلدان.
وبدل أن ينهض المجتمع الدولي بدوره ومسؤولياته في معالجة القضية السورية بطريقة فعالة وحاسمة، ذهب إلى ما وصفه بالحرب على الإرهاب، مخصصا «داعش» بتلك الحرب عبر عمليات قصف جوي على مواقعها وتحشيداتها في العراق وسوريا، متجاوزا فكرة أن معالجة القضية السورية بشكل خاص والوضع الإقليمي المأزوم من شأنها أن تضرب جذر الإرهاب، والأهم في أماكن استقبال عناصره وأماكن توالده، والأهم في مسارح عملياته الدموية.
ومسار المجتمع الدولي في التعاطي مع القضية السورية لم يكن كله سلسلة من التقاعس والأخطاء، بل كانت فيه جهود مقبولة وجادة، والأبرز فيها ما أنتجه المبعوث الأممي كوفي أنان في صيف عام 2012، وسمي في حينها باسم «بيان جنيف»، تضمن خطوات عملية من شأن تطبيقها إنهاء مسار الدم والدمار، والذهاب إلى تسوية سياسية للقضية السورية. وللحق فإن كوفي أنان لم يخترع تلك الخطوات، وإنما استقاها من آراء وملاحظات المعارضة، التي جهدت مع بداية الأحداث للبحث عن حلول ومساعٍ لإيقاف الخيار العسكري – الأمني للنظام في مواجهة الثورة، وتوفير قتل ودمار السوريين وبلدهم، وفتح لباب إعادة بناء النظام السياسي في سوريا، يوفر الحرية والعدالة والمساواة بطريقة مديدة.
مشكلة «بيان جنيف» كانت افتقاده إلى آلية تنفيذية، فنام المشروع لأكثر من عام وسط تطورات دراماتيكية في الحرب بين السلطة والمعارضة، ودخولها نفق الضربات العنيفة، التي جاءت مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق عام 2013 لتهز مسارها، وتوقظ المجتمع الدولي على كارثة موت مئات السوريين المدنيين بالغاز الكيماوي المحرم دوليا، وكانت النتيجة صفقة تصفى بموجبها أسلحة النظام الكيماوية مقابل توليد آلية تفاوض بين النظام والمعارضة، تنطلق من تشكيل هيئة حكم انتقالي، تشكل بالتوافق، تطبق «بيان جنيف»، ويكون هدفها النهائي بناء نظام ديمقراطي. ووفق تلك المحتويات، انعقد «جنيف 2» في ربيع عام 2014، وجرت فيه مفاوضات بين المعارضة والنظام، لم تثمر نتائج عملية، لأن المجتمع الدولي عاد إلى تقاعسه وتخلى عن مسؤولياته المحددة في قرار مجلس الأمن الخاص، والقاضي بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي بمن يعطل الوصول إلى نتائج في «جنيف 2»، وفي النتيجة نامت القضية السورية وعملية علاجها الدولي في سبات جديد.
وبطبيعة الحال فإن الصراع السوري استمر مقابل السبات الدولي مخلفا تطورات دراماتيكية شديدة الخطورة، كان الأبرز فيها تمدد الجماعات المتطرفة في سوريا وخصوصا «داعش»، التي لم تكتفِ بإقامة إمارتها في الرقة وسط الشمال السوري، بل تمددت شرقا وغربا، وأرسلت خلاياها نحو الجنوب، قبل أن تنفجر في غرب العراق، وتتمدد نحو الشمال وباتجاه الوسط، وتزيل في الوقت ذاته قسما كبيرا من الحدود السورية – العراقية، لتجعل المنطقة حيزا جغرافيا وسياسيا لدولتها، وميدانا لوجودها وممارساتها الإرهابية والدموية، وقد فعلت «النصرة» شيئا قريبا في مناطق جنوب حلب ومحيط إدلب، لتصير غالبية الشمال والشرق السوري تحت سيطرة التطرف وسط انحسار واضح لنفوذ التشكيلات المسلحة للمعارضة، وأقل منها أو مثلها المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام.
ولأن المجتمع الدولي ذهب إلى الحرب على الإرهاب في مواجهة تلك التطورات، فقد بدا أن على المعارضة السورية الذهاب إلى مسار آخر، تمخض عن توافق ضمني بين الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطني في البحث عن حل سياسي، وكان من نتائج التوافق الضمني لقاءات بين الطرفين وبين كل واحد منهما وأطراف معارضة أخرى، فولد أوراقا تم تبادلها، ثم قاد الأمر إلى عقد مؤتمر القاهرة للمعارضة الذي اختتم أعماله مؤخرا، وأقر ما سمي بـ«بيان القاهرة من أجل سوريا»، راسما فيه طريق المعارضة إلى الحل السياسي استنادا إلى «بيان جنيف» وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، عبر 10 نقاط، أبرزها أن هدف التفاوض «الانتقال إلى نظام ديمقراطي ودولة مدنية ذات سيادة»، وأن الحل السياسي يحتاج إلى غطاء دولي واحتضان شعبي وضمانات دولية واضحة، إضافة إلى حاجته إلى «إجراءات ضرورية»، منها الإفراج عن جميع المعتقلين، ووقف جرائم الحرب، وقصف المدنيين وحرمانهم من شروط الحياة الطبيعية، ووصول الاحتياجات الغذائية والدوائية والإغاثة إلى كل المناطق المحاصرة، ورفع العقوبات الاقتصادية الجائرة التي تمس حياة المواطنين، وتأمين الشروط الضرورية لعودة النازحين والمهجرين.
ولوحظ توافق المعارضة في رؤية ضرورة اتفاق الأطراف السورية على إنهاء مختلف أشكال الوجود العسكري غير السوري، وخلص إلى مطالبة الشرعية الدولية بتحمل مسؤولياتها القانونية في تجفيف منابع الإرهاب، واحترام قرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب، وأن الحل السياسي الذي يضمن التغيير الديمقراطي الجذري شرط لاستنهاض وتعبئة السوريين في محاربة التنظيمات الإرهابية.