لم يكن مفاجئا قرار المعارضة السورية الذهاب نحو مفاوضات جنيف، لأن التشبّث بموقف المقاطعة دون قدراتها، ولأنه يضعها أمام العالم وأمام شعبها كمن يقدم هدية مجانية للنظام، الذي سارع لإرسال وفده، فيما هو يواصل حصاره وقصفه للكثير من مناطق السوريين.
بيد أن المعارضة، هذه المرة، استطاعت أن تشد الحبال إلى طرفها، أكثر من أي فترة مضت، ما تمثل بتوحيد صفوفها وتصليب موقفها التفاوضي وتوضيح خطابها، وضمن ذلك إصرارها على عدم المشاركة في مفاوضات قبل وقف القصف، وضمنه القصف الروسي، والسماح بقوافل المساعدة الإنسانية الوصول إلى المناطق المحاصرة، واطلاق سراح المعتقلين، وفقا للفقرتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن الدولي (2254)، باعتبارها أمورا فوق التفاوض (حسب تعبير ستافان ديمستورا ذاته)، وعلى أن يكون الهدف النهائي للمفاوضات التوصل إلى هيئة حكم انتقالية تنهي حكم نظام الأسد، وفقا لبيان جنيف 1. وقد لقي موقف المعارضة هذا استقبالا جيدا وقبولا واسعا من قطاعات واسعة من السوريين، وهذا أمر يحسب للمعارضة، ووحدة تشكيلاتها السياسية والعسكرية، ولأداء المتحدثين باسمها وفي مقدمتهم رياض حجاب.
على أي حال الفكرة الأساسية هنا أن هذه المفاوضات، وفي هذه الظروف والمعطيات، لن تنتج شيئا يذكر، لأن القصة لا تتعلق بالتفاوض وإنما بموازين القوى العسكرية على الأرض، ولا سيما بمدى حسم الأطراف الدولية والإقليمية لأمرها بشأن وضع حد للانفجار السوري، وإتاحة المجال للسوريين لتأسيس لنظام جديد. وبديهي أن ذلك كله يتعلق بما تريده أو ما لا تريده الولايات المتحدة الأميركية، أكثر من أي طرف آخر، إذ أنه بناء على ترددها، أو مراوغاتها، أو لامبالاتها، يشتغل الطرفان الروسي والإيراني على دعم النظام وفرض أجندتهما في سوريا.
أما بخصوص الذهاب لآخر الموقف، بالتشبث بعدم المشاركة في المفاوضات، فلم يعد مجديا، لأنه لن يكون مفهوما أو مقبولا من الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة السورية، لاسيما بعد كل الضمانات والتعهدات التي قطعتها، بغض النظر عن صدقها أو عدمه، فقد تراجع وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن كلامه أن على المعارضة أن تشارك في المفاوضات دون شروط، كما تراجع ديمستورا عن قصة التفاوض على وقف إطلاق النار بعد المفاوضات، ليصبح هذا الأمر، وغيره من الشؤون الإنسانية، أمرا فوق التفاوض وفق نص قرار مجلس الأمن، أما اشتراطات روسيا وإيران ومحاولتهما فرض وفد مفاوض، رديف للنظام، فلم تنجح.
مثلا، كنت أعتقد أن على المعارضة أن ترفض المشاركة في المؤتمر المذكور، وفقا لكل الشروط المجحفة ولكل محاولات الإملاء والابتزاز، التي شهدناها في الأيام الأخيرة، سواء من الطرف الروسي أو من الطرف الأميركي، وعلى اعتبار أن مثل هذا الرفض لن يغير من مستوى دعم القوى الدولية والإقليمية لها، لأنه دعم محدود أصلا، ولأن التهديدات شكلية وجزء من اللعبة، ولأن الانصياع للتهديدات سيقوض صدقية المعارضة، ويحول دون تبلورها كشخصية اعتبارية ممثلة للسوريين ولأملهم في التغيير الديمقراطي، وهذا أهم ما يفتقده ويحتاجه السوريون. لكن بعد تغير المعطيات نتيجة صبر المعارضة السورية، وتصلب موقفها، ونيلها ما تريده، لم يعد ثمة معنى للرفض، لا سيما أن الكل يدرك أن المفاوضات هي جزء من العملية الصراعية.
القصد أن النظام انتهى أجله سياسيا، وهو يلعب في الوقت الضائع، ولحساب حلفائه الإيرانيين والروس، لذا فإن المعارضة هي المعنية بصوغ شخصيتها وتعزيز مكانتها وتوطيد توافقاتها، ويأتي ضمن ذلك حسن إدارتها للصراع التفاوضي، ولأوضاعها على الأرض، مع التمسك بحقوق السوريين العادلة والمشروعة، وعدم التنازل لتلاعبات وشروط القوى الدولية، حتى لا تخسر شعبها وتخسر ذاتها، فهذه هي الظروف التي يمكن أن تنضج قيادة يحتاجها السوريون وتحظى بإجماعهم.
العرب – ماجد كيالي