بعد سيطرة قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني على مدينة يبرود في مارس/آذار من العام الماضي، بدا، بحسب الدعاية الكثيفة التي رافقت تلك العملية، أن الأمور استتبت لهما هناك، وأن المعارضة المسلحة لفظت أنفاسها الأخيرة ولن تقوم لها قائمة بعد ذلك في تلك المنطقة.
غير أنّ التطورات التالية، خصوصاً في الأشهر الأخيرة، أشارت إلى أنّ قوات المعارضة بتشكيلاتها المختلفة بات لها اليد الطولى في المنطقة، بعدما غيرت من تكتيكاتها العسكرية، متخلية عن مبدأ السيطرة على الأرض لصالح شنّ حرب عصابات، تعتمد الكرّ والفرّ وضرب حواجز ومراكز النظام وحزب الله، ومنعها من التمركز والحد من حركتها أو قدرتها على شنّ هجمات مؤثرة نتيجة استهدافها المستمر.
وبعد إنهاك قوات النظام وحزب الله بالهجمات الخاطفة في عموم القلمون الغربي والشرقي، أطلقت قوات المعارضة ممثلة بـ”جيش تحرير الشام” قبل أسابيع معركة “ضرب النواصي” في القلمون الشرقي، وتمكّنت من السيطرة على الطريق السريع دمشق بغداد، بعدما كانت قوات النظام والمليشيات الداعمة له تتمركز في عدة نقاط على هذا الطريق، الذي يؤمن طريق الإمداد للنظام وحزب الله، بما يخفف أيضاً الضغط عن القلمون الغربي.
وأهم النقاط، التي سيطر عليها الفصيل المعارض، هي تلك المطلة على مطار ضمير العسكري، ونقطة الطابة، التي تعتبر راداراً للطائرات الحربية، بعد اشتباكات سقط خلالها قتلى وجرحى من الجانبين.
وقال النقيب زهير محمد، نائب قائد “جيش تحرير الشام”، الذي تشكّل الشهر الماضي بقيادة النقيب، فراس البيطار، لـ”العربي الجديد”، إن “معركة ضرب النواصي تسير بشكل جيد بمشاركة من كتيبتي أبو بكر والصوارم”، نافياً أية صلة لهم مع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
واعتبر أن من يطلق هذه الشائعات إنما يريد الإساءة المتعمدة لجيش تحرير الشام. وكانت مجموعة من الضباط المنشقين عن النظام قد أعلنت في نهاية مارس/ آذار الماضي عن تشكيل “جيش تحرير الشام”، وذلك بهدف قتال النظام والمليشيات التي تقاتل إلى جانبه فقط. وتتزامن معركة “ضرب النواصي” مع معارك تخوضها فصائل المعارضة في مناطق القلمون الغربي، في الجبال الفاصلة بين لبنان وسورية، ضدّ قوات نظام بشار الأسد وحزب الله، حيث سيطرت المعارضة على عدة نقاط في جرود الفليطة، وإلى الجنوب في الزبداني وغيرها. وأعلنت فصائل المعارضة، وبينها “جبهة النصرة”، عن سيطرتها على خمس نقاط في مرتفعات القلمون مثل “المش، وشعبة حميدا والحمرا” في محيط بلدة فليطة، حيث قتلت 13 عنصراً من حزب الله واستولت على أسلحة وذخائر.
وأشار الناشط، عمر القلموني، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ سيطرة المعارضة على هذه التلال ذات أهمية كبيرة، كونها تكشف طريق الإمداد الذي تستخدمه قوات النظام وحزب الله لنقل ما تحتاجه من عتاد عسكري وبشري إلى منطقة القلمون، من خلال الجرود اللبنانية عرسال وبريتال. وقال إن قوات المعارضة أدركت أن قطع طرق الإمداد سيكون له أثر سلبي على حزب الله، ولذلك بدأت منذ عدة أشهر بالتقدّم من عدة اتجاهات، وباتت هذه التلال اليوم مراكز للمعارضة لتحقيق المزيد من التقدّم.
وفي وقت تنهمك فيه فصائل المعارضة في معاركها ضدّ النظام وحزب الله في القلمون، بشقيه الغربي والشرقي، يسعى تنظيم “داعش” إلى تعزيز مواقعه في تلك المنطقة على حساب فصائل المعارضة بالدرجة الأولى. وقد تسلل عناصره إلى مناطق استراتيجية شمال شرق دمشق، وجنوب شرق حمص.
وقال المتحدث باسم فصيل الملازم أحمد العبدو، سعيد سيف، لـ”العربي الجديد”، إن “تنظيم (داعش) سيطر على منطقة السحلة الاستراتيجية الواقعة بين الطريق السريع دمشق بغداد وطريق بلدة القريتين حمص السريع، في هجوم ليلي مباغت على مواقع للثوار”، موضحاً أن “التنظيم خسر أكثر من 10 مسلّحين خلال العملية، بينما قتل اثنان من الثوار وأسر ثالث”.
وأوضح أن “الثوار في تجمع أحمد العبدو، ولواء أسود الشرقية، ولواء الاسلام حشدوا عشرات العناصر لاستعادة المنطقة التي تعتبر استراتيجية لأنها منفذ لهم نحو البادية الشامية والحدود الأردنية، ونحو الشمال السوري من الغوطة الشرقية”. وقال سيف إن “رتلاً من (داعش) مرّ بالقرب من حواجز قوات النظام في ريف حمص الشرقي دون أن يستهدفه”، مشيراً إلى “وجود تنسيق بين الطرفين لشنّ (داعش) هجومه بعد إعلان الثوار عن معركة (ضرب النواصي) في القلمون الشرقي”.
من جهته، قال الناشط في المنطقة، باسم فؤاد، إن “داعش”، وخلافاً لما يتم تداوله، يسيطر على معظم مناطق القلمون الغربي الخارجة عن سيطرة النظام، ووجود فصائل المعارضة هناك ضعيف ومهلهل”.
وأضاف في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “التنظيم ثبت أقدامه في المنطقة بعد هجومه قبل عدة أشهر على فوج المغاوير بقيادة الملازم أول عرابة أدريس”، والذي كشف عن أنه بات الآن في محافظة درعا، بينما “انضم أكثر من نصف عناصره إلى تنظيم (داعش) كخيار لا مناص منه، بسبب عدم تمكنهم من الانسحاب إلى أي مكان وعدم وجود دعم لهم من أي جهة”.
ورأى فؤاد أن “داعش الذي حاول قبل أشهر شنّ هجوم على مواقع حزب الله داخل الأراضي اللبنانية، يركّز جهده حالياً على الإعداد لـ(غزوة) مماثلة داخل لبنان ولا يكترث للفصائل الأخرى التي يرى أنها لا تشكل خطورة عليه”.
وفي سياق متصل، عثر مؤخراً على جثة قائد تجمع “الضباط الأحرار”، ورئيس “غرفة عمليات القلمون”، العميد يحيى زهرة، في منطقة رأس السن بمدينة عرسال اللبنانية. وقال مصدر عسكري في القلمون لـ”العربي الجديد”، إن العميد وجد مقتولاً بثلاث رصاصات في رأسه وصدره، بعد اختطافه قبل تسعة أيام من مدينة عرسال من قبل تنظيم “داعش”، بسبب قيامه بـ”التنسيق لتشكيل فرقة تابعة للجيش الحر في القلمون”.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه، أن أقارب العميد المقتول ذهبوا لمسؤول في التنظيم، بعرسال من أجل إطلاق سراحه، وأكد لهم أنه سيتم إطلاق سراحه خلال أيام، لكن التنظيم قتله، وألقى بجثته عند أطراف مدينة عرسال.
وحذّر المصدر من أن الحملة العسكرية التي يشنّها “داعش”، وتتزامن مع المعارك التي يخوضها الجيش الحر ضدّ النظام، تجهز على ما تبقى من كتائب تابعة للجيش الحر، خصوصاً في ظل نقص الإمدادات الغذائية والعسكرية للجيش الحر، مشيراً إلى أن عدداً من القادة انسحبوا من جرود القلمون بسبب هذه المعارك، ومنهم العقيد، عبد الله الرفاعي، الذي كان قد اعتقل من قبل جهاز الأمن اللبناني.
المصدر: العربي الجديد