مع الانتهاء من المراحل الثلاث الأولى لمعركة تحرير حلب والتي آلت لكسر طوق الحصار الذي أعلنته روسيا وطهران ونظام الأسد على الأحياء المحررة في المناطق الشرقية، تم الإعلان عن بدء المرحلة الرابعة التي تجلت خطواتها بثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: تحصين المناطق التي تم تحريرها وبناء الخطوط الدفاعية وإعادة تنظيم المنطقة.
الاتجاه الثاني: صد الهجمات المعاكسة والدفاع عن المناطق المحررة ومنع ميليشيات الأسد وحلفائه من استعادة أي نقطة محررة.
الاتجاه الثالث: إعلان منطقة ضاحية الحمدانية وحي صلاح الدين ومشروع الـ3000 شقة منطقة عسكرية، والبدء بالتحضيرات العسكرية اللازمة لبدء المرحلة الرابعة (مرحلة تحرير حلب).
الكثير توقع أن المعركة توقفت أو أن هناك ضغوطاً دولية تمارس لوقف الزحف على الجزء الغربي من حلب، لكن غرف عمليات الثوار كانت تصل الليل بالنهار في عمل دؤوب لا يتوقف لتسريع العمل وعدم إعطاء الفرصة للميليشيات الطائفية بأي استراحة أو فرصة زمنية يتم من خلالها جمع الشتات واستعادة الأنفاس.
وعلى هذا الأساس بدأت عمليات التحصين والتجهيز وبناء الخطوط الدفاعية وتوزيع الفصائل والكتائب على الثغور، ترافق ذلك مع تعرض المناطق المحررة في جنوب حلب لأكثر من عشر هجمات معاكسة كانت تنطلق من معمل الإسمنت جنوباً باتجاه الراموسة والدباغات وباتجاه تلة المحروقات وباتجاه خان طومان في محاولات يائسة من قبل عصابات الأسد وحزب الله لصنع انتصار إعلامي حتى لو كان وهمياً، غايته إسكات الحناجر التي باتت تكيل الشتائم والاتهامات لنظام الأسد وحلفائه على أبنائهم الذين داستهم أقدام الثوار.
ما حصل في الاتجاه الجنوبي لجبهة حلب تكرر على حدودها الشمالية من اتجاه ضاحية الحمدانية والأكاديمية العسكرية، حيث حاولت تلك الميليشيات المتعددة الجنسيات والتي استقدمها نظام الإجرام الأسدي لقتل الشعب السوري وحماية كرسي السلطة، حاولت شن هجمات متعددة باتجاه سوق الجبس ومشروع 1070 شقة في محاولة للتقدم، لكن عيون الثوار التي لا تنام كانت لهم بالمرصاد وأوقعتهم بكمائن جعلتهم صرعى على ساحات القتال.
انطلاق عمليات قتال المرحلة الرابعة:
مع ظهيرة يوم الأحد وبدون سابق إنذار أعلنت غرفة عمليات جيش الفتح وغرفة عمليات فتح حلب عن بدء العمليات القتالية واستكمال المرحلة الرابعة وعلى خمس جبهات دفعة واحدة:
مطار النيرب ومعامل الدفاع في السفيرة حيث تنطلق طائرات وحوامات الأسد كانت أولى من تلقت عشرات صواريخ الغراد ومئات قذائف المدفعية التي رجمتها وشلت حركتها.
قرية الضويحي والذهبية وتل شغيب حيث إمدادات ميليشيات النظام القادمة نحو معمل الإسمنت ومعمل الغاز نالت نصيبها من القصف وتم قطع الإمدادات عن الميليشيات الطائفية المتحصنة بداخلهما.
مشروع الـ3000 شقة والأكاديمية العسكرية أيضاً تلقت هجوماً بغرض منعها من المؤازرة وبغرض الإشغال عن المعارك الرئيسية التي كانت تدور بمواقع أخرى.
كل المعارك السابقة كانت اتجاهات ثانوية ومساعدة غايتها المشاغلة والإرباك وحرف الأنظار عن العمليات الرئيسية، وتهدف أيضاً لتأمين نجاح الأعمال القتالية على الاتجاه الرئيسي الذي تمثل برأسي حربة إحداها شمالي طال جمعية الزهراء ومعسكرات النظام المتوضعة هناك والرأس الآخر كان باتجاه معمل الإسمنت ومعمل الغاز الذي شكل نقطة الانطلاق الرئيسية للهجمات المعاكسة الأخيرة التي شنتها ميليشيات الأسد وحلفائه ضد الراموسة والمناطق المحررة.
قبل أن تغرب شمس اليوم كان دوار المالية ودوار مهنا في قبضة الثوار واقتربت المعارك من الفاميلي هاوس حيث أبلى الثوار بلاءاً حسناً زلزل الأرض من تحت أقدام كل العصابات الأسدية هناك ودفع برتلي دبابات للفرار عبر طريق الكاستيللو نحو الشمال.
على المقلب الآخر وفي محيط معملي الإسمنت والغاز كانت هناك معارك ضارية يخوضها أبطال جيش الفتح واستطاعوا التوغل لداخل المناطق المحصنة وبشبه سيطرة على المكان، لكن العمليات لم تحسم بعد بإطارها النهائي.
القراءة العسكرية من خلال تلك الأحداث تعطي صورة واضحة المعالم عن زمام المبادرة التي استعادها الثوار وعن القدرة على توجيه دفة المعارك والقدرة على السيطرة واستخدام الطرق التكتيكية وتنسيق وتخطيط الأعمال القتالية على نحو فاجأ عدوهم وحتى حلفائه المتواجدين خارج الحدود.
فأن تقوم غرفة عمليات جيش الفتح وشركائها بفتح خمس جبهات داخل حلب وريفها وبوقت واحد وبقدرة على السيطرة وتنظيم القيادة والمتابعة والتحكم بمجريات المعركة، هي نقطة لم تكن متوقعة ومؤشر واضح وجلي على تطور الفكر العسكري للثوار وقدرتهم على الإبداع وضبط مجريات المعارك بكل إتقان وحنكة.
من المؤكد أن غنائم الثوار من كلية المدفعية وكلية التسليح وكتيبة البيانات ومحتويات المستودعات التي أصبحت في متناول الثوار ساهمت بشكل كبير في تأمين إمداد وتذخير المعركة، والمدافع التي كانت موجهة لقتل أبناء حلب أصبحت مسلطة على القلاع العسكرية التي بناها نظام الأسد وإيران وحزب الله داخل معسكرات حلب، لينقلب السحر على الساحر وتنعكس الآية ويتذوق هؤلاء بعضاً مما كانوا يفعلونه بالأبرياء المدنيين.
الشيء المؤكد أن معارك حلب لم تنجح فقط في كسر الحصار والبدء في عملية تحرير حلب فقط، بل أفشلت الخيار العسكري الذي اعتمدته طهران مع توقف المفاوضات الأخيرة في جنيف، هذا الخيار الذي يستهدف إجهاض الثورة وإنهاء مفاعيلها على الأرض، والذي توافق على تنفيذه إضافة لإيران وميليشياتها كلٌ من حزب الله ونظام الأسد والطيران الروسي.
لكن اللافت بالأمر أن تصل تلك الهمجية لاستخدام القنابل العنقودية والقنابل الحرارية والفوسفورية والصواريخ الفراغية ضد مدنيين عزل، وضد مراكز الدفاع المدني ومشافي الأطفال والنساء والمشافي الميدانية، واللافت أكثر هو صمت المجتمع الدولي الذي يدعي التحضر، مع غياب كامل لكل المنظمات الدولية التي تشاهد وترى تلك الجرائم التي تتنافى مع أبسط قواعد وقوانين الحروب في العالم.
بالعودة للميدانيات، فضربات الثوار أصبحت الآن في مقتل، ولامست بحدودها وجغرافيتها العصب الحساس لكل ميليشيات الأسد وداعميه في حلب، ومع تلك الحقائق يٌفترض بالحليف الروسي أن يكون قد وصل لقناعة أن مراهنته كانت على حصان خاسر لا يملك أدنى مقومات البقاء والاستمرار، وأن من استنجد بهم الأسد من ميليشيات طائفية إيرانية وعراقية ومن حزب الله وكل القتلة من الزينبيون والفاطميون وحتى الكتائب العربية (القومجية)، أصبحت عالة عليه وعلى حليفه الروسي، فبدون دعم جوي روسي (الذي لم يملكه الثوار أبداً) لا يستطيع هؤلاء الحركة وغير قادرون على البقاء.
الوقائع أصبحت واضحة وضوح الشمس، فقدرات الثوار بازدياد، وسقوط الأسد في حلب أصبح أمراً ممكناً.
فهل تكون وقفة مراجعة لإعادة تصويب الهدف لروسيا وإعادة تموضعها، فتدفع بالأسد عن سدة السلطة وتؤسس لحل يريح كل الأطراف، أم تنغمس موسكو في الرمال السورية وتعيد نكبة أفغانستان ومستنقع الشيشان الذي أدمى قلوب الروس؟؟؟
بالتأكيد سوريا ليست أفغانستان وليست الشيشان…
ومن المؤكد أن حلب ليست غروزني ولن تكون…
الحكمة تقول: كي تنجح عليك بقراءة التاريخ.
والتاريخ يقول:
انتبه أنت في أرض الأمجاد … انتبه أنت في حلب.
صدى الشام
