في ظل استمرارية الوضع السياسي في سوريا تأقلم المجتمع مع الواقع المفروض، فظهرت مؤسسات مَدَنية شملت معظم الجوانب الحياتية من شؤون مدنية للتعليم وغيرها من جوانب أخرى، فمن رَغِبَ عن حمل السلاح حمل لواء الخدمة للوطن من منظور آخر.
إيمان خريجة جامعة حلب، كلية الطب، اختصاص طب مخبري، تقدمت لشاغر في مؤسسة تعليمية مُصرح عن توافره، قدمت لهم أوراقها، حول خبرتها شهاداتها وقدراتها، كانت المقابلة شخصية، أجراها المدير المسؤول.
تقول: “سألني المدير:
– شو هدفي من التقديم؟
– : بدي فيد الطلاب، عندي خبرة ممكن يستفادوا منها، وأنا حابة قدم شي..
بعد عدة دقائق انتهت المقابلة قال في ختامها:
– مافي شاغر عنا، بتحبّي عندي معارفي كتار، فيني أوصلك فيهم يدبرولك شغل بس مو هون..
– بشكرك كتير.
بعد فترة بتفاجأ أنو المدير وظف خريجة معهد طبي بنفس الشاغر؛ لكونها من (الأسرة الحاكمة) لهذه المؤسسة، فكانت هذه الخريجة خريجة جديدة من تصنيف دراسي أخفض من سابقتها، لكن بميزات أفضل منها، جُلبت من مكان بعيد على نفقة المؤسسة ودُفعت لها تكاليف نقل وآجار مسكن، وبدل معيشة.
إيمان واحدة من آلاف غيرها ممن تعرضن للأمر ذاته، خريجات كفء لا حيلة لهن أمام تسلّط (الأسر الحاكمة) في المؤسسات المبنية على روابط الأسرة.. يظهر الواقع الحي اليوم أن أغلب مؤسساتنا أصبحت حكرا على افراد محددين، ففي واحدة من هذي المؤسسات بلغت نسبة الموظفين “المقربين” بحدود 90 %، فيغلب الطابع الأسري على جوها.
أسامة دكتور ومحاضر قديم في جامعة حلب، يشهد له الواقع العملي والمعارف بالخبرة والقدرات المميزة، توظف فترة من الزمن في مجال التعليم الطبي لصالح مؤسسة طبية تعليمية، دَرّس نخبة من الطلبة ووضع جهده في خدمتهم، ساعد في وضع وتأمين المناهج اللازمة، لكن تم الاستغناء عنه؛ بحجة واهية بعد توفير البديل، حل محله شخص من (خاصة) المدير، على الرغم من أنه أدنى في المستوى الدراسي والشهادات، لكنه صار مساوياً له في الحقوق.
يقول أسامة – في حديث خاص أجراه مراسل المركز الصحفي السوري: “صارت شوية مشاكل بينا، احتديت معه وقت قلتله ليش توظف ناس ما لازمين مع توفّر الأكفاء، حرام يتوظف حدا ع حساب حدا تاني.. ماعجبه نقاشي، اتهمني بالتدخل.. وصفيت برا”.
يكمل أسامة وفي نفسه آلاما كبيرة، ولكن نبرة حديثه تنم عن اعتراف بالجميل رغم اختلاف بينهما “يجزيه الخير (يقصد المدير) حاول أن يقدم خدمة للمجتمع، ويدرّس ويخرج كوادر قادرة على مساعدة المجتمع.. لكن عمل خير ولازم يكمله للآخر، واذا بقي ع بوظف هيك ويختار حسب رأيه، رح تفشل المؤسسة بكل إلي فيها”.
لأربعين سنة اعتدنا على قيادة الأسرة الحاكمة-آل الأسد وملؤوها بأقربائهم في غالبية مقاعد الدولة؛ اليوم وبعد الثورة – وما حوت – لا يبدو أننا ابتعدنا كثيرا عمّا مضى، عن التربية الاجتماعية الفاسدة تلك التي حرص آل الأسد على زرعها في نفس المواطن السوري، كلنا في نفسنا آل الأسد.. تغيرت الأشخاص، ولم تتغير قوانين الحكم ولا آليات تطبيق العمل وقوانينه الناظمة.
يارا تامر
المركز الصحفي السوري