غالبا ما تستخدم اللغة الإنجليزية عالميا كلغة مشتركة بين متحدثي اللغات المختلفة، أو بعبارة أخرى تجري المحادثات باللغة الإنجليزية في كثير من الأحيان دون أن تشمل متحدثي الإنجليزية الأصليين.
ولهذا تاريخ استعماري طويل للغاية، حيث فرضت الإمبراطورية البريطانية اللغة الإنجليزية على مستعمراتها، لكن تراجع الإمبراطورية لم يؤدِ لتراجع الإنجليزية، بل العكس من ذلك. فبعدما صارت الولايات المتحدة قوة اقتصادية عالمية، أدت العولمة -ولا تزال- لانتشار اللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم، وبلدان الاتحاد الأوروبي ليست استثناء.
وعندما كان الاتحاد الأوروبي هو الجماعة الأوروبية (تكونت أولا المجموعة الأوروبية للفحم والصلب، كنواة للمجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تطورت لاحقا إلى الاتحاد الأوروبي) تم تحديد لغاتها الرسمية، ومع انضمام المزيد من الدول -والتي كان الكثير منها يتحدث الإنجليزية كلغة ثانية أو إضافية- زاد عدد المتحدثين باللغة الإنجليزية، حتى أصبحت اللغة الأكثر شيوعا.
حاليا، يضم الاتحاد الأوروبي 24 لغة رسمية ولغة عمل، والمملكة المتحدة هي الدولة العضو الوحيدة التي تعتبر اللغة الإنجليزية لغتها الرسمية، وعندما تنسحب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يفترض أن يكون هناك تصويت بالإجماع في البرلمان الأوروبي من أجل إزالة اللغة الإنجليزية كلغة رسمية للاتحاد، بحسب بيان للمفوضية الأوروبية في إيرلندا بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2016.
لكن بخلاف الإجراءات القانونية والرسمية، هل سيشهد الواقع الأوروبي اختفاء الإنجليزية من مداولاته العملية أم ستنجو اللغة الإنجليزية من البريكست كما فعلت من قبل؟
عواصف ونجاة
يقول الخبراء إن التاريخ يشير إلى أن الإنجليزية نجت من عواصف عديدة بما في ذلك سعي المستعمرات البريطانية للحصول على استقلالها، ولم يحدث في الواقع أن تخلت هذه البلدان عن اللغة الإنجليزية، بل حدث العكس إذ أصبحت تُستخدم لغة رسمية أو ثانية في أكثر من سبعين دولة حول العالم.
إن عدد المتحدثين الذين تعتبر الإنجليزية لغة ثانية لهم أو أجنبية غير رسمية، أكبر من جميع المتحدثين الآخرين باللغة الإنجليزية، ولا يزال عددهم يتنامى.
ومع تراجع الإمبراطورية البريطانية جاء صعود الولايات المتحدة التي تعتبر الإنجليزية لغتها الرسمية.
وترى أستاذة علم الصوتيات بجامعة “ريدينج” جين سيتر أنه في بلدان ما بعد الاستعمار اعتبرت الإنجليزية لغة محايدة لحد ما، وفي الهند كان من المفترض أن يتم التخلص التدريجي من الإنجليزية بعد الاستقلال في عام 1947 لصالح اللغة الهندية.
ومع ذلك، ونظرا لأنه لا يتحدث كل الناس في الهند اللغة الهندية، ولا يرغب كثيرون في ذلك لأسباب ثقافية وسياسية مختلفة؛ فقد استمر استخدام الإنجليزية، وهي الآن لغة رسمية في الهند.
وفي هونغ كونغ، لا تزال اللغة الإنجليزية لغة رسمية على الرغم من عودة الإقليم لجمهورية الصين عام 1997. وبما أن هونغ كونغ مركز دولي للتجارة والتمويل فهذا متوقع، لكن الإنجليزية أصبحت جزءا من هوية الناس في المنطقة الإدارية التابعة للصين والمختلفة عنها كذلك، بحسب مقال سيتر لصحيفة الغارديان البريطانية.
لغة عالمية محايدة
في الواقع، لقد أخذت هذه الإنجليزية المحايدة شكلا محليا خاصا -إن جاز التعبير- في بعض دول ما بعد الاستعمار، ففي الهند أصبحت لغة رسمية، كما أنها تستخدم في سنغافورة لتجمع المتحدثين باللغات الماليزية والصينية (لهجات مختلفة) والتاميلية كلغة أولى موحدة، أو تكون “جسر” بين المجموعات العرقية المختلفة.
لكن هذه الإنجليزية ليست اللغة “الإنجليزية البريطانية”، أو حتى “الإنجليزية الأميركية”، بل لهجة محلية تطورت تدريجيا في وقت مبكر في المدارس المتوسطة الإنجليزية في القرنين التاسع عشر وأوائل العشرين، حيث كان المعلمون يأتون غالبا من الهند وسيلان، ومن أنحاء مختلفة من أوروبا والولايات المتحدة.
وفي أنحاء مختلفة من العالم، طور المتحدثون بالإنجليزية المفردات والقواعد الخاصة بهم، بما في ذلك الإنجليزية الأوروبية التي لا تعد استثناء.
ولا تنتمي الإنجليزية إلى متحدثي اللغة الإنجليزية “الأصليين” فحسب، بل أصبحت تنتمي إلى كل من يتحدثها، وسوف تتطور وتتغير حسب الاحتياجات التواصلية للمجتمعات التي تتكلمها بحسب الأكاديمية المختصة بعلم الاجتماع في جامعة “نيوكاسل” إيما سيدون.
ويحتاج البريطانيون والأميركيون إلى وضع ذلك في الاعتبار عند استخدام اللغة الإنجليزية في اللقاءات الدولية، لأنهم لا يستطيعون افتراض أنها ستكون مفهومة من قبل كل متحدث باللغة الإنجليزية.
تغير اللغة
وتقول سيدون إن الإنجليزية تطورت وتحولت استجابةً لهجرات الشعوب والثقافات والتكنولوجيات الجديدة والتغيير الاجتماعي، وترى في مقالها بموقع كونفيرزيشن أن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت “اللغة الإنجليزية في الاتحاد الأوروبي” ستتحرك بعيدا عن مصدرها البريطاني.
ويؤدي التعرض المتكرر للإنجليزية واستخدامها في الحياة اليومية إلى اكتساب المجتمعات اللغوية شعورا بملكيتها، وتقول سيدون إن “اللغة الإنجليزية لم تعد ملكا لنا كبريطانيين أو كمتحدثين أصليين، بل أصبحت ملكا للجميع”.
ومع ذلك فالتغيرات السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية تلعب دورا كبيرا في انتشار اللغات، ومن المحتمل أيضا أن تشهد الإنجليزية مصير اللاتينية التي بمجرد أن أصبحت لغة ثانية للجميع، لم تعد الأولى من نوعها.
المصدر : الجزيرة