الحوار بين تيار “المستقبل” و”حزب الله”، وبين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، مهم وضروري في هذه المرحلة، وقد ينجح على المديين المتوسط والطويل في التأسيس لحالة مستقبلية منتجة على صعيدي الوحدة الوطنية والسلم الأهلي الحقيقي، بدلاً من الاستمرار في حالة وحدة وطنية هشّة، وسلام أهلي بارد، معرّض كل يوم لزلزال يطيح به.
حزب الله حقّق مكسباً مهماً يدعم استراتيجيته موقتاً، وهو في استبعاد مسألتين هما: سلاحه، وتدخله في الحرب السورية. بهذا يكون الحوار مركزاً على اليوميات التي يمكن استثمار إيجابياتها وهي مصيرية للبنان وللبنانيين، أكثر بكثير من السلاح والانخراط. لبنان ينزلق مع الفراغ نحو “الوفاة السريرية” لمؤسسات الدولة، مما يقود حكماً الى سقوط اتفاق الطائف، والدخول في مرحلة جديدة تفرض اتفاقاً جديداً يلغي حكماً المناصفة ويفرض المثالثة، فتسقط بذلك الصيغة الوحيدة في الشرق الأوسط أي تقاسم السلطة بين المسيحيين والمسلمين رغم الفارق الواضح في كون المسيحيين أقلية..
قتال حزب الله في سوريا، “شرّ” لا بد من قبوله. “شر” لأنه جزء من استراتيجية إيرانية تصوغ وجودها كقوة إقليمية كبرى في الشرق الأوسط. أما “حزب الله” فإنه ليس المقاومة التي حررت الجنوب، ولا جيشاً في مصاف الجيوش المتوسطة ولا الكبرى. حزب الله خارج أرض المقاومة ليس أكثر من فصيل عسكري مهما بلغت قوته يبقى فصيلاً قائداه المرشد آية الله علي خامنئي والجنرال قاسم سليماني.
سقوط جيل من الشباب الواعدين من “الحزب”، بين قتيل وجريح مؤلم على جميع المستويات. في الوقت نفسه، فإن مطالبة الحزب بالانسحاب، لم تعد تجدي. لا بل من الواقعية أن يترك لمصيره، عندما لا يسمع نصيحة أحد. من يريد إطلاق النار على رجله، ليترك أيضاً وحيداً أمام خياره. في النهاية عندما يعود الحزب الى الداخل لن يكون كما كان.
هذه الصورة لما هي حال الحزب في سوريا واقعية جداً. الموقف القاسي منه طبيعي جداً، لأنه خصم “يحلم” بإلغاء الجميع على أساس أنه سينتصر ويفوز عندما يبقى بشار الأسد رئيساً ولو بلا سيادة.
سوريا لم تعد تملك قرارها، بشار الأسد أصبح بعد أربع سنوات من “الحروب”، أسيراً للقرار الإيراني، مثله مثل “الحزب” مع فارق الحجم والوظيفة. أكثر من ذلك، حزب الله متى انتهت “اللعبة” يمكنه العودة الى طائفته في لبنان والاحتماء بها مهما كان مثخناً بالجراح. الأسد يبقى فوق الأطلال أو تحتها. لذلك عندما يشكو الأسد من خرق تركيا للسيادة السورية، يكون معه حق بالمبدأ، أما بالفعل فإنه يضيف الى خسائر سوريا خسارة اضافية لأنه هو فتح حدود سوريا كلها، أمام الآخرين وفي مقدمهم إيران. سوريا اليوم واقعة بين “المطرقتين” الايرانية والتركية، لا أحد يمكنه تحديد مسارات هذه الحالة، خصوصاً وأن تطورات الحرب معلقة على مواقف دولية تمتد من موسكو الى واشنطن مروراً بأوروبا وعواصم عربية لم تصغ حتى الآن استراتيجية عمادها في “الاتحاد قوة”.
الحوثيون في اليمن لهم وجودهم وحيثيّتهم، لكنهم يستهلكونها بسرعة في مواجهة مفتوحة تنزلق حكماً وبسرعة أسرع من الصوت نحو أتون الحرب الأهلية. كان من الصعب، الكلام عن حرب أهلية داخل صنعاء التي سقطت بيدهم. الآن توجد عدن. كل شيء أصبح ممكناً، مواجهة الحوثيين في عدن قائمة خصوصاً مع وجود الرجال والسلاح والمال. أيضاً طالما أن الحوثيين لا يريدون سماع صوت العقل والعمل بواقعية، فإن تركهم يطلقون النار على “أرجلهم”، ليس فيه شماتة بانتظار أن يعود الى طاولة المفاوضات وهو يعرف حقيقة حجمه وقوته وإمكاناته التي تجبره على الاعتراف بوجود آخرين لهم حقوقهم.
“الأوبامية” في مواجهة “حرب الكفن ضد الكفن”، تكاد تصبح “مدرسة سياسية”، خبيثة لكنها منتجة للحلول على المدى المتوسط. الكل سيأتي الى طاولة المفاوضات مثخناً بالجروح. الدليل عندما يقول ناطق نوري (المرشح للرئاسة ضد محمد خاتمي) إن “الخزينة الإيرانية فارغة”، معنى ذلك أن المرشد خامنئي يريد “شرب كأس سمّ الاتفاق” مع “الشيطان الأكبر” بأقل ضجيج داخلي ممكن، بحجة الإفلاس. باختصار تحت ضغط الهزيمة الاقتصادية بكل شروطها وآثارها ونتائجها داخلياً وخارجياً.
المستقبل
أسعد حيدر