رامز أنطاكي – الحل السوري
لم تنتهي سنة اللاجئين السوريين في لبنان على خير، فبعد كل المتاعب والاعتداءات التي تعرضوا لها خلال عام 2014 جاء اليوم الأخير من السنة ليحمل إليهم قرار المديرية العامة للأمن العام اللبناني الذي فاجأ أغلبهم، والذي يتضمن “معايير جديدة تنظم دخول السوريين إلى لبنان والإقامة فيه”.
القرار الجديد الذي جاء متشدداً في مضمونه حدد الحالات التي يسمح على أساسها زيارة لبنان وهي: سياحة، زيارة عمل، مالك عقار، قادمون للدراسة، قادمون للسفر عبر المطار أو عبر أحد الموانئ البحرية، قادمون للعلاج الطبي، قادمون لمراجعة سفارة أجنبية، قادمون للدخول بموجب تعهد مسبق بالمسؤولية.
أورد القرار أيضاً المستندات المطلوبة في كل حالة من الحالات المذكورة أعلاه، مثل الحجز الفندقي، وبطاقة الطائرة، والتقارير الطبية، وإثبات موعد في سفارة… إلخ ليتم على أساسها منح سمة إقامة ذات مدة محدودة غالباً ما تكون قصيرة، متناسبة مع مدة الحجز الفندقي في حال السياحة، أو لمدة 48 ساعة للمسافرين عبر المطار أو أحد الموانئ ومثلها لمراجعة سفارة أجنبية، و72 ساعة للعلاج الطبي…
الحالة الجديدة المثيرة للاهتمام في القرار الجديد هي “قادمون للدخول بموجب تعهد مسبق بالمسؤولية”، وهي مخصصة للدخول في الحالات التي لا تتطابق مع أي من الحلات الأخرى المذكورة، وهي تتطلب “وجود مواطن لبناني يضمن ويكفل” دخول المواطن السوري وإقامته وسكنه ونشاطه بموجب تعهد بالمسؤولية، وهي حالة جديدة لم تكن موجودة من قبل في لبنان، وتكاد تشبه نظام الكفيل في بعض الدول الخليجية.
لم يكن من الواضح مدى شمول هذا القرار عملياً، فهل يشمل الداخلين إلى لبنان بعد البدء بتنفيذه أم أنه يشمل المقيمين السوريين في لبنان قبل صدوره أيضاً، وهو ما تسبب بلغط شديد في أوساط السوريين المقيمين في لبنان سواء أكانوا من اللاجئين أم لا، لكن الأكيد أن القرار الذي سيبدأ تطبيقه في الخامس من كانون الثاني 2015 سيرتب على السوريين الراغبين بدخول لبنان عبر الحدود البرية والمطار والموانئ تأمين الأوراق والثبوتيات الواردة نصه لتيسير دخولهم إلى هذا البلد.
نبيه الذي يعمل في أعمال البناء منذ سنوات في لبنان استقدم عائلته من سورية بعد اشتداد حدة المعارك في المنطقة التي ينحدر منها هناك، لا يتخوف كثيراً من القرار الجديد إذ يعتبر أنه ربما سيشابه الكثير من القرارات التي تصدر ولا تنفذ لفترات طويلة بل يتم تجاهلها أو الالتفاف حولها، لا سيما “أن لبنان لا يمكن له الاستغناء عن مئات ألوف العاملين السوريين في البناء والزراعة وغيرها، وهؤلاء لا يمكنهم الحصول على إقامات بموجب القرار الجديد”.
كامل رمضان شاب سوري يقيم ويعمل في لبنان هرباً من الالتحاق بالخدمة العسكرية في بلده، لا يخفي قلقه من القرار الأخير وإن كان يطمئن نفسه إلى أنه من المبكر الخوف من تبعات القرار، بل يجب الانتظار لمتابعة كيفية تطبيق الأجهزة المعنية في لبنان له، ومدى التشدد في تنفيذه، معتقداً أن الدخول إلى لبنان لن يكون مستحيلاً على من يريد “خاصة من يملك واسطة أو بعض الاتصالات”، لكن الصعوبة ستكون في استمرار الإقامة في لبنان.
رمضان ابن الرابعة والعشرين يأسف للحال التي وصل إليها هو وأبناء وطنه، حيث فقدوا القدرة على البقاء في بلدهم، كما لم يجدوا المكان الذي يمكن له أن يستقبلهم وأن يشعروا في بالأمان به دون أن يضطروا للابتعاد آلاف الكيلومترات عن مسقط رأسهم في رحلات مكلفة ومحفوفة بالمخاطر ودونها مصاعب عديدة.
أم ليلى التي تعمل في تنظيف المنازل لمساعدة زوجها تتحسر على بيتها في ريف إدلب، وتلوم العمال السوريين في لبنان “الذين يعملون هنا منذ عشرات السنوات دون أن تتوحد جهودهم في تجمع ما”، وترى أم ليلى أن إضراباً جماعياً أو اعتصاماً للعمال السوريين في لبنان قد يشكل وسيلة ضغط شديدة الفاعلية على الحكومة اللبنانية، ويشاركها محمد علي ابن أختها الذي يسكن معها، ويقول “صدعت رؤوسنا بمشاركة لبنان في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن ماذا عن تصرفاتهم معنا المخالفة لهذا الإعلان؟ لم يعد السوري يجد لنفسه مهرباً من الموت”، ويتابع محمد علي الذي يحمل شهادة في الحقوق من جامعة دمشق معبراً عن شعوره بفقدان العدالة في هذا العالم، مشيراً إلى أنه من غير المحق ولا العادل أن نذكر اللبنانيين باستضافتنا لهم خلال حرب تموز 2006 كما يفعل بعض السوريين الآن، لكن من المجدي دوماً برأيه التذكير بحقوق السوري كإنسان في أي مكان وجد على أساس القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
القانون صدر، وهو يتنظر التطبيق بعد أيام، في الخامس من الشهر الجاري تحديداً، ورغم عدم وضوح الجدية في تطبيقه إلا أنه يرجح ارتفاع صعوبة دخول السوريين إلى لبنان إلى مستوى جديد، على الأقل في الفترة الأولى، أما المقيمين أصلاً في لبنان فعليهم أن يتوقعوا أن تطالهم الإجراءات ذاتها المنصوص عنها في القرار، إلى أن يصدر توضيح بهذا الشأن من المديرية العامة للأمن العام اللبناني.