يطرق متسوّلون مغاربة باب العديد من الحيل الذكية التي تتيح لهم التأثير في قلوب الناس، من أجل كسب أكبر جرعة ممكنة من تعاطفهم، لاكتساب أكبر قدر ممكن من المال. ينتشرون في الشوارع والحافلات، وبالقرب من المساجد، والمصارف، والساحات العمومية.
من الطرق التي بات يلجأ إليها المتسولون من أجل النصب على المواطنين ما ابتدعته فتيات صغيرات يصعدن إلى حافلة عمومية، ويشرعن في توزيع وريقات على الركاب، تتضمن نبذة عن حياة الفتاة التي لا تتحدث غالباً، مدعية أنّها من الأشخاص الصمّ. في الورقة دعوة إلى مساعدتها لكونها فقيرة وكون أشقائها أيتاماً.
من هنا لاحظت “العربي الجديد” فتاة قاصراً لا تتجاوز 15 عاماً تضع غطاء على رأسها، وهي تصعد إلى إحدى الحافلات العمومية في العاصمة الرباط. وزعت على الجميع وريقات كتب عليها بخط اليد أنّ اسمها مريم، وأن لديها 3 أشقاء أيتام، ولا أحد يعيلهم، بل تنفق عليهم مما تناله من صدقات المحسنين.
تتباين ردود فعل الركاب حيال هذه الطريقة في التسول. فمن بينهم من يتجاوب مع حالتها مصدقاً ما كتبته على الأوراق، التي تجمعها من أيدي الركاب في المحطة الأخيرة من أجل توزيعها مجدداً على ركاب آخرين. هؤلاء يمنحونها بعض الدراهم، لكنّ غيرهم يصدونها منذ البداية.
عن ذلك، يقول محمد دراع، وهو سائق حافلة نقل عام، لـ “العربي الجديد” إنّ العديد من المتسولين يصعدون إلى حافلته في البداية مثل جميع الركاب، لكن سرعان ما تظهر هويتهم الحقيقية. وحينها يصعب طردهم من الحافلة، خصوصاً أنّ الواحد منهم يباشر في سرد معاناته، غالباً من خلال توزيع تلك الأوراق على الركاب. يضيف السائق أنّه من كثرة احتكاكه بهذه الفئة، بدأ يعرف وجوه المتسولين الذين يلجؤون إلى مثل هذه الطريقة في استدرار عطف الركاب، فصار لا يقبل وجودهم في الحافلة، أو يشترط عليهم سداد ثمن الركوب على الأقل: “فليدفعوا ما داموا يحصلون على مبالغ مالية محترمة من الركاب”.
ومن الحيل الأخرى لعدد من المتسولين في المغرب ادعاؤهم أنهم سوريون. يتقمص الواحد منهم شخصية لاجئ سوري. يتحدث بلسان أهل الشام، ويخرج جواز سفر سورياً، ويجلس القرفصاء بالقرب من المساجد وغيرها، يطلب الصدقة والإحسان على هذا الأساس.
كثير من هؤلاء شوهدوا يطلبون المساعدات المادية من المصلين بالقرب من المساجد، ومن السائقين عند إشارات المرور. يستغل هؤلاء تعاطف الشعب المغربي وتضامنه مع السوريين الذين اضطرتهم الحرب في بلادهم إلى اللجوء إلى المغرب، ليجبروا على امتهان التسول للعيش.
وبالفعل، تقع في أحيان كثيرة شجارات بين متسولين مغاربة وآخرين سوريين بسبب التنافس على جيوب المارة. وغالباً ما يتجه المواطن المغربي نحو المتسول السوري، ويفضله على المتسول المغربي، خصوصاً مع ما في قضية السوري من أحقية وأولوية في نظر المغاربة.
كذلك، من قصص التسول في المغرب لجوء البعض إلى طريقة “عاونوا الفريق”. وفي هذه الطريقة يضع بعض الشبان وعاء في زقاق أو شارع عليه قميص فريق رياضي، ويطلبون من المارة المساهمة ببعض الدراهم دعماً لفريق الحي في كرة القدم، من أجل شراء مستلزمات اللعب من قمصان وكرات وأحذية. عن هذه الطريقة، يقول الشاب منير، الذي اعتمد هذه الطريقة في حي شعبي في العاصمة، لـ”العربي الجديد” إنّ ما يقوم به رفقة أصدقائه اللاعبين ليس تسولاً، بل مجرد طلب دعم شرعي لشباب الحي الذين يمثلونهم في فريق كرة قدم. يشير إلى أنّه يفضل هذه الطريقة على التسول بشكل صريح، أو إرغام الناس على منحهم النقود بالقوة والعنف.
ومن الطرق الطريفة الأخرى للتسول في المجتمع المغربي، تجول بعض الفتيان وهم يحملون لوحات خشبية عليها آيات قرآنية، باعتبارهم طلاب مدارس قرآنية عريقة. يطلبون من المارة نقوداً من أجل تشجيعهم على الاستمرار في حفظ القرآن الكريم.
طريقة أخرى للتسول فيها شيء من الإبداع، تتمثل في صعود متسول إلى الحافلة، مع موهبة كوميدية، أو موهبة في الحديث المنمق، أو في حفظ القرآن وتلاوته، أو في ترديد الأحاديث النبوية. بذلك، يتمكن من استمالة قلوب وعواطف الركاب، إن من خلال رسم البسمة على وجوههم، أو تذكيرهم بالجنة والنار.
وبين الفينة والأخرى تظهر قصص متسولين وقعوا في قبضة الأمن المغربي، وقد راكموا مبالغ مالية كبيرة. آخر هؤلاء متسول في مدينة طنجة ألقي القبض عليه، عقب نشاط كبير له عند إشارات المرور، وفي الأسواق التجارية الكبرى في وسط المدينة. وقد تجاوز المبلغ المضبوط معه 50 ألف درهم (نحو 5 آلاف دولار أميركي) حصل عليها من خلال التسول.
العربي الجديد