القدس العربي – حسين مجدوبي
توجد اختلافات كثيرة حول الملفات المرتبطة بفيروس كورونا، سواء التي لها علاقة بعالم الطب، أو القرارات السياسية، فهذه أول جائحة يواجهها العالم المتميز ببنيات معقدة، وهناك إجماع حول موضوع معين يحظى بالاتفاق من طرف الكل، وهو أن عالم ما بعد كورونا سيكون مختلفا عن عالم ما قبل كورونا.
وعمليا، يشتد الجدل بين المختصين في مجال صحة الإنسان، سواء الأطباء أو الباحثين في المختبرات، خاصة في البيولوجيا الجزيئية، حول الموجة الثانية من فيروس كورونا، هل ستحدث أم سيغيب هذا الفيروس خلال الشهور المقبلة؟ ويشتد الخلاف أكثر حول نوعية بعض الأدوية، ونوعية اللقاح المقبل الذي تنتظره البشرية. وبينما ينتظر العالم الخروج من الحرب ضد الفيروس الذي يخلف أكبر الخسائر الاقتصادية في تاريخ البشرية، تنذرنا مراكز التفكير الاستراتيجي بحرب باردة جديدة، ستدور هذه المرة بين الولايات المتحدة بدعم من الغرب، في مواجهة الصين، التي ستحصل على دعم روسيا ودول أخرى في آسيا. وبدأت ترتسم معالم عالم ما بعد كورونا، الذي سيكون مختلفا عن مرحلة ما قبل هذا الوباء العالمي، من خلال القرارات السياسية التي تتخذها معظم الدول، ومنها المؤثرة ذات الوزن الاقتصادي والسياسي والعسكري. وعلى رأس التغييرات إعادة النظر في دور العولمة، وعودة الدولة الوطنية، خاصة في شقها الاقتصادي، ثم انكماش العلاقات الدولية نتيجة كل هذا.
الدول الافريقية، قد تجد نفسها قريبة من «الدولة الفاشلة» بسبب خطر انهيار البنيات الاقتصادية
وتعد القارة الافريقية من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها من المناطق التي ستتأثر كثيرا جراء فيروس كورونا، وهي مرشحة لكي تؤدي فاتورة هذا الفيروس، رغم أن عدد المصابين والوفيات فيها لا يتجاوز مئة ألف مصاب، وأقل من ثمانية آلاف وفاة، أقل مما سجلته دولة أوروبية مثل ألمانيا أو إسبانيا أو إيطاليا، ورغم عدد ساكنة القارة الافريقية المرتفع، الذي يقدر بمليار و300 مليون نسمة. يحدث هذا في وقت كان الجميع، ومن بينهم منظمة الصحة العالمية يتخوفون من فتك الفيروس بالأفارقة، بحكم البنيات المحدودة والضعيفة للقطاع الصحي.
وعلى ضوء التطورات الحاصلة في المشهد الجيوسياسي، في عالم ما بعد كورونا، الخطر المحدق بالقارة الافريقية، هو العامل الاقتصادي أساسا، وليس الوباء، وهذا قد يؤدي إلى فقدان السيادة، واستغلال الدول الكبرى للوضع في حالة أشبه باستعمار جديد. وتعد القارة الافريقية الأفقر بين باقي القارات، ورغم ساكنتها التي تقترب من مليار و300 مليون، لا يتجاوز اقتصادها، اقتصاد دولة واحدة مثل المانيا، وإذا جرى استثناء دول شمال افريقيا ونيجيريا وجنوب افريقيا، تبقى باقي الدول ذات بنيات هشة، تحتاج إلى الكثير. وهي القارة التي تخصص جزءا كبيرا من إنتاجها القومي الخام لخدمة الديون الخارجية، التي تشكل استعمارا حقيقيا، وإن كان بشكل غير مباشر بعد رحيل الاستعمار المباشر. وتعد افريقيا الخاسر الأكبر حتى الآن، إذا لم ينجح العالم في تجاوز الخسائر الاقتصادية. ونجمل التحديات في:
*أولا، تدرس دول الاتحاد الأوروبي آليات التعاون لمواجهة الأزمة الاقتصادية، فقد خصصت الدول منفردة، ميزانيات ضخمة، ويجري الاتفاق على تخصيص الاتحاد 500 مليار يورو، وفق الاتفاق الفرنسي – الألماني الأسبوع الماضي، لمساعدة الدول التي تأثرت مثل، إسبانيا وإيطاليا واليونان للخروج من الأزمة. ويقول المفوض الخاص بالسياسة الخارجية والدفاع جوزيب بوريل، «إما أن نخرج جميعا من هذه الأزمة، أو لن يخرج أحد». وتعمل الصين جاهدة للحفاظ على الرواج الاقتصادي في محيطها الآسيوي. وفي المقابل، لا يتعدى التعاون الاقتصادي بين الدول الافريقية الشعارات، في ظل غياب قيادة سياسية واقتصادية كبرى للقارة السمراء، وضعف آليات التنسيق وتأثير النزاعات بينها، ويمكن مثلا تأمل الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر، وجمود اتحاد المغرب العربي كمثال.
*ثانيا، يقوم جزء من اقتصاد الدول الافريقية على المديونية وعلى المساعدات الخارجية، وأصبحت المؤسسات الدولية متشددة في تقديم القروض من جهة، وبدأت المساعدات الدولية تتراجع بحكم الصعوبات المالية، التي تعيشها الدول المانحة للمساعدات، وأساسا أوروبا أو الولايات المتحدة من جهة أخرى. وتشهد الولايات المتحدة مثلا ارتفاعا مهولا للبطالة وبدأت الإدارة الأمريكية تحول المساعدات الخارجية إلى مساعدات داخلية لصالح العاطلين.
*ثالثا، تعد السياحة من القطاعات الرئيسية لعشرات الدول الافريقية، وتشكل عادة ما بين 7% الى 15% من الناتج القومي الخام. وبعدما توقفت السياحة بسبب فيروس كورونا، ومن المستبعد استعادة مستواها خلال الثلاث السنوات المقبلة، يتم الحكم على عشرات الملايين من الأفارقة بالبطالة. ويبقى الأسوأ هو أن قطاع السياحة حديث، وقام على قروض وطنية ودولية، وهذا يشكل ضربة قاسية للقطاع والعمل.
*رابعا، نظرا لأسواقها الواعدة ووفرة المواد الأولية واليد العاملة الرخيصة، تحولت القارة الافريقية خلال العقد الأخير إلى وجهة مفضلة للاستثمارات الدولية، خاصة الصغيرة والمتوسطة. وما نراه الآن هو خطورة عودة الدولة الوطنية، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة على هذه الاستثمارات. ولعل من العناوين المعبرة عن هذا التوجه الخطير، محاولة فرنسا مثلا استعادة استثمار شركات السيارات في بعض الدول، مثل المغرب إلى الأراضي الفرنسية، لخلق مناصب الشغل لمواجهة آثار هذا الوباء العالمي. والسيناريو الفرنسي يتكرر في مختلف القطاعات، وفي مختلف الدول، وعلى مستويات متعددة. وما ينطبق على الاستثمارات، يمكن تطبيقه على الصادرات التي تقلصت إلى 80% إبان الجائحة، ومن الصعب استعادة مستواها خلال السنوات المقبلة.
ويبقى المستقبل مقلقا للكثير من الدول الافريقية، التي قد تجد نفسها قريبة من «الدولة الفاشلة» بسبب خطر انهيار البنيات الاقتصادية. وهذا سيدفع البعض منها الى مغازلة الدول الكبرى لإنقاذها مثل، الصين وفرنسا وبريطانيا، ولكن يكون بدون مقابل، الأمر الذي سيعرض سيادتها للخطر، وقد نشهد عودة الاستعمار في ثوب جديد.