انتهت حياة “معتوق” بهذا الشكل، وتم إخفاء الأمر حفاظا على سمعة المكان وسمعة النظام، مصادفة وليست بالمصادفة.. جلاد صيدنايا من قرية ملاصقة لبلدة جزار تدمر
على الأرجح، فإن عشرات آلاف المعتقلين والمغيبين والمعذبين في واحد من أسوأ سجون العالم، لايعلمون أن جلادهم والمسؤول المباشر الأول عن عذاباتهم قد صار جثة هامدة، وتمت مواراته قبل ساعات تحت التراب في قريته الصغيرة البعيدة مئات الكيلومترات عن معتقلهم في صيدنايا، حيث بات آمر الموت أسير الموت، ونزيل “العالم الآخر” الذي فاخر كثيرا بقدرته على إرسال الناس إليه.
فقد لقي “العميد محمود أحمد معتوق” حتفه، ولفظ آخر أنفاسه يوم الجمعة 12 كانون الثاني/يناير 2018، في يوم سيبقى محفورا بذاكرة كثير من ضحاياه، وتم تشييعه ودفنه في قريته “فديو” جنوب مدينة اللاذقية، عصر نفس اليوم.
ورغم أن بعض من نعوه من الموالين، حاولوا تصويره بـ”البطل الشهيد” الذي قضى أثناء تأدية “واجبه” محاولين الإيحاء بمصرعه في ميدان المعارك وتحت أزيز الرصاص، فقد استوثقت “زمان الوصل” من مصادرها الخاصة بأن “معتوق” جلاد صيدنايا والآمر المباشر في هذا المعتقل المحرقة قد مات حتف أنفه بجلطة قلبية وهو على رأس عمله يوم الجمعة.
شكلت ميتة “معتوق” بهذا الشكل صدمة للنظام وأعوانه، الذين أخفوا سبب الميتة الحقيقي، حيث “لا يليق” بجبروت ضابط عات بمنصبه أن يموت على هذه الهيئة، حفاظا على سمعة المكان الذي خدم فيه، والنظام الذي خدمه.
ولم تكن ميتة الجلاد المتجبر “معتوق” هي المفارقة الوحيدة في سيرته، فهناك مفارقة –تبدو مصادفة وهي ليست بمصادفة-، تظهر أن جلاد صيدنايا من قرية ملاصقة لبلدة جزار تدمر وأشهر اسم في عالم الإجرام في ثمانينات القرن الماضي، ونعني به مدير معتقل تدمر الصحراوي “فيصل غانم”، فالأخير يتحدر من بلدة “الهنادي” المجاورة لـ”فديو” مسقط رأس “معتوق”، وكلتاهما جنوب اللاذقية.
كان لسجن صيدنايا -وما يزال- صيت رهيب ومرعب، حتى قبل اندلاع الثورة، وكان يكفي من هذا الصيت كونه البديل والنسخة المحدثة عن سجن تدمر. وفي هذا السجن –أي صيدنايا- ارتكبت أشد أنواع الانتهاكات، وجرائم التعذيب والتصفية، كما تم الحرص على تكريسه كـ”جامعة” أو أكاديمية لتربية المتشددين وترويضهم ليغدوا أداة تنفيذية للنظام، بغير قصد أو عن قصد.
وعندما اندلعت الثورة، تعززت الصورة الوحشية لسجن صيدنايا وسجانيه، وبات المعتقل الواقع شمال دمشق مصدرا لقصص الرعب “السوريالي” الناطق، يختلط فيه أنين المعذبين وصديدهم بلحمهم الممزق ومشاهد من قضى أمامهم، وأخيرا بـ”شويط” (رائحة احتراق) جثث من صاروا وقودا لمحرقة ألحقها النظام بالسجن، فجعل منه “محرقة” بالمعنى المجازي والحقيقي.
ولهذا الهول الجهنمي الذي يكتنف صيدنايا، وكمية الخبايا المفزعة الذي يخفيها المكان، لم يكن من المسموح أبدا أن يستلم إدارة هذا السجن، سوى ضابط من طراز خاص جدا، لايكفي أن يكون ابن الطائفة فقط، ولا صاحب نزعة إجرامية لا ترحم، ولا موثوقا لأقصى حد، ولا مواليا حتى النخاع… بل كان لابد أن تكون كل هذه مجتمعة، ولهذا كان “معتوق” دون غيره.
ولعل فرط حساسية المكان وسطوة من يديره، يفسران بعض الشيء شح المعلومات المتسربة من هذا المعتقل، رغم مساعي الكثيرين من مؤسسات إعلامية وحقوقية وحتى مخابراتية لاختراق أسواره، والحصول ولو على بعض أسراره.
وأخيرا، فقد قضت الجلطة على جلاد صيدنايا “معتوق”، ليكون ثاني مدير لهذا المعتقل يلقى حتفه خلال الثورة، بعد “اللواء طلعت محفوض” الذي قتل في أيار/مايو 2013 في كمين نصبه له “الجيش الحر” على الطريق المؤدية نحو السجن.
إيثار عبدالحق – زمان الوصل