بالتحديد، في 8 مارس 2015 بلغت الغباوة والغرور والعجرفة بمستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات، علي يونسي، حدَّ القول: “إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا كما في الماضي. إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وإن ثقافتنا غير قابلة للتفكك. إن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية وكل شعوب المنطقة جزء من إيران، ونحن نريد تأسيس اتحاد إيراني في المنطقة”.
هذه النفخة العنصرية الكذابة لم تكن مقصورة على يونسي وحده، بل سبقه إليها قادة كبار عسكريون ومدنيون آخرون، رغم أنهم يعرفون جيدا أن احتلالهم للعراق لم يأت بشجاعة جيوشهم وميليشياتهم وأحزابهم، التي فشلت في تحقيقه في ثماني سنوات من حرب دامية، كلفت الشعبين والبلدين مئات القتلى والجرحى المفقودين وقناطير الأموال التي كان جياع الشعبين أولى بها وأحق.
وحين نعود إلى بداية الحكاية، يمكننا القول إن المرشد الأعلى الإيراني وكبار أعوانه ومستشاريه، لا يستطيعون أن ينكروا أنها كانت مكافأة تكرم بها عليهم “الشيطان الأكبر” ثمنا لخدماتهم السياسية والأمنية والعسكرية، التي قدموها له منذ بداية العام 1991، أيام المعارضة العراقية السابقة، وحتى الغزو الأميركي الفاشل عام 2003، وبعده بأعوام، رغم هتافهم بـ”الموت لأميركا”، ورغم تهديدهم بـ”محو إسرائيل” في سبعة أيام.
ثم، بعد ذلك، بتفاهمهم وتعاونهم وتبادلهم الرأي والنصيحة مع المحتل الأميركي تم توليد نظام المحاصصة الطائفي والعنصري الحالي، الذي مهد لهم السبيل وجعل وكلاءهم وقادة أحزابهم وميليشياتهم العراقية تمسك برقبة هذا الوطن السليب.
ومع انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011، تسلم الإيرانيون الراية، وتمكنوا من وراثتها وتثبيت احتلالهم العسكري والاقتصادي والسياسي، مباشرة، أو عبر أحزابهم المكلفة بالهيمنة الكاملة على القرار في العراق، وبوضع اليد على كامل مفاصله الأمنية والعسكرية والمالية والنفطية والتجارية، وتهيئة المسرح لجعل الاحتلال إيرانيّا دائما ونهائيا وإلى أبد الآبدين.
ثم في عام 2014 استغل النظام الإيراني ظروف الحرب ضد “داعش” ليؤسس الحشد الشعبي الذي حوَّله في أقل من عامين إلى حرس ثوري إيراني عراقي يدير كل شيء، من رئاسة الجمهورية والوزراء والبرلمان، إلى وزارات الداخلية والدفاع والمالية والخارجية وحتى الثقافة والإعلام.
هذه هي الحكاية من “طقطق لسلام عليكم”. وبحساب بسيط يمكن تحديد العمر الفعلي للاحتلال الإيراني للعراق، من بدايته وحتى انطلاق الانتفاضة الشعبية الحالية، بثماني سنوات، فقط لا غير. وهذا، في حساب أعمار الشعوب والأمم، يعد غمامة صيف عابرة لم تستطع أن تطيل بقاءها أكثر من ذلك، وهو الفشل بعينه والخيبة والغباء.
والثابت تاريخيا أن الاحتلالات الفارسية القديمة لبلاد ما بين النهرين كانت تطول بضع عشراتٍ من السنين، ثم تجيء ساعة الهزيمة لتخرج الجيوش الفارسية ممزقة منهكة، وتسقط بلاد فارس ذاتها تحت احتلال جيوش غازية أخرى لعشرات السنين، أو مئاتها.
وعلى هذا يصبح الاحتلال الفارسي الأخير لدولة العراق، من العام 2011 وحتى ثورة شباب تشرين الحالية 2019، أكثر الاحتلالات الفارسية فشلا وغباوة، وأقصرها عمرا وأقلها صلابة.
ورغم كل شيء فإن من حسن حظ الشعب العراقي أن يكون المرشد الأعلى الإيراني ومساعدوه ومستشاروه بهذه الدرجة من الجهالة والعدوانية والدموية والفساد والغرور والحماقة وقلة التقدير وسوء التدبير.
فلو كانوا ذوي فطنة ونباهة ونظرٍ بعيد ورأي سديد لعمَّروا محافظات الوسط والجنوب، إن لم يريدوا إعمار باقي محافظات العراق الأخرى، ولجعلوا كل واحدة من مدنها آية في الرخاء والازدهار، ولَأنشأوا المستشفيات الحديثة المتقدمة، وعدَلوا وأنصفوا، ومنعوا الظلم والفساد، واعتمدوا على وكلاء شرفاء نزيهين مخلصين لأبناء طائفتهم. ولأدى ذلك إلى تَمسك العراقيين بهم، وحرصهم على استمرار احتلالهم عشرات قادمةً من السنين، أو ربما من القرون، ولتحققت إمبراطوريتهم الجديدة التي فاخر بها علي يونسي قبل سنوات.
ولكن اللّه ستر. فقد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، وأذاقهم شر أعمالهم، مبكرا، وعلى شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي كلها، وجعل فضائحهم “بجلاجل” وعلى مرأى البشرية كلها وسمعها، وهم صاغرون.
فبسبب سياساتهم العدوانية الاستفزازية التسلطية التي مارسوها ضد الشعب العراقي، وخاصة ضد أبناء طائفتهم، سرعان ما افتُضحوا وأصبحوا مكروهين.
وبالتالي، وبالضرورة أيضا، افتضح من يأتمرون بأمرهم، ويقومون بتنفيذ سياساتهم العدوانية الاستفزازية التسلطية، وصاروا مكروهين أيضا، وممجوجين مثلهم، وهدفا مشروعا لثورة شعبية عراقية قادمة، لا تبقي ولا تذر فتغسل عهرهم وتعيد وطنها سالما ومعافى وبأحسن حال.
وهم، حتى بعد هذا الانفجار الشعبي النادر الذي زلزل الأرض من تحت أقدامهم، ما زالوا في نفس غبائهم وحماقاتهم وغرورهم يعمهون.
فبدل أن يدركوا أخطاءهم، ويعتذروا عنها للعراقيين، ويطردوا وكلاءهم الفاسدين المختلسين القتلة الجهلة المزورين، ها هم يكابرون ويُصرون على مواجهة الطوفان بمزيد من الإثم والعدوان، ومزيدٍ من إراقة الدماء، لتكون نهايتهم أكثر وبالا وخزيا وعارا ومهانة، وليصبح خروجهم من العراق، ومن باقي المنطقة، بلا عودة، وإلى أبد الآبدين.
إبراهيم الزبيدي