مازال جيش الفتح منذ تأسيسه يكسر ما يمكن تسميته “الأرقام القياسية”، حقيقة وليس مجازا، وهو ما أثبتته أحدث معاركه في محافظة إدلب، والمتمثلة في تحرير مدينة أريحا ومحيطها في غضون 3 ساعات تقريبا.
“قياسية” هذه الزمن في عرف المعارك وفي عرف تحرير مدينة مثل أريحا، حشد فيها النظام كل بقايا قواته التي انسحبت من ثكناته المنهارة في إدلب، فضلا عن قواته الموجودة هناك أصلا.. أثارت أكثر من علامة تعجب، تحول بعضها إلى علامات إعجاب بـ”جيش الفتح” الذي صار ذكر اسمه مصدرا لرعب قوات النظام ومرتزقته.
ولكن الحقيقة على أرض الميدان، تختلف نوعا ما عن التوصيفات الأدبية التي تمليها مخيلات شعرية، أو أحاسيس النشوة بالانتصار على طاغية وجيش أذاقا الشعب السوري من صنوف القتل والعذاب والتهجير، ما فاق كل تصور.. ففي الميدان بات جيش النظام ومرتزقته، في مواجهة “جيش” حقيقي بكل معنى الكلمة.. جيش يعرف معنى الخطة العسكرية وضرورة التقيد بها، ويدرك معنى التنسيق ويلتزمه، ويعلم معنى استخدام كل تكتيك عسكري في مكانه وتوقيته، ويقدر لكل موقف قدره، فلا تغره شجاعة قلب المقاتل مالم يكن قد أخذ الموقع الصحيح، وواجه “العدو” بما يكافئه من السلاح، أو بما يقاربه على قدر المتوفر.
إن السر باختصار، في احتراف “جيش الفتح” أو سعيه الحثيث ليغدو قوة محترفة، تجعله يستحق لقب “الجيش” اسما ومعنى، وقد كان الصحابي خالد بن الوليد ومازال ألمع قائد عسكري في تاريخ الإسلام، وربما في تاريخ البشرية، بما حمله ذهنه من فكر عسكري فذ، ومرونة فائقة، صقلها إيمانه وقوة يقينه.
ورغم أن تاريخ الإسلام حافل بقادة عسكريين كان لديهم قوة بأس لافتة وشجاعة وافرة، فقد بقي “ابن الوليد” رمزا عسكريا لايقارن بغيره.. كيف لا وهو الذي حول الحرب إلى فن وعلم، بعد أن كانت تعتمد إلى حد ما على “الفزعات” و”النخوات” واستثارة حمية المقاتلين، دون الاكتراث كثيرا بتنظيم طاقاتهم المتدفقة، أو توزيعهم على المواقع المختلفة في الجيش، تبعا لمهاراتهم وقدراتهم.
“الفتح”.. نموذج بحاجة إلى التعميم.. لاتعميم الاسم فقط كما قد يتبادر فورا، بل تعميم التجربة التي تعطي الاحتراف قيمته، وتنزله منزلته، دون إفراط أو تفريط.
زمان الوصل