يشهد العالم أكبر نزوح للاجئين لأجيال، نتج عن نزاعات مسلحة في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا. لكن كلمة «يشهد» هنا قد تكون كلمة خاطئة. فالعديد من قادة الدول، بما في ذلك هؤلاء من يقودون أغنى الدول، يختارون النظر إلى الجهة الأخرى. وهم مهتمون بمنع دولهم من السقوط في النزاع أكثر من اهتمامهم بحفظ الأمن والاستقرار. كان هذا الاهمال المتعمد قد بدى للعيان مؤخرا في افتتاح القمة العالمية الإنسانية، التي عقدت لمواجهة احتياجات الناس الأكثر عرضة للخطر في العالم. معظم رؤساء الدول من الدول الغنية – بما في ذلك الولايات المتحدة – لا يقلقون بإظهار التوبيخ الذي يوجهه السكرتير العام للأمم المتحدة، بان كي مون. فقد قال في مؤتمر صحفي مؤخرا «من المخيب للأمل أن بعضا من رؤساء العالم لم يستطيعوا أن يكونوا هنا، وخاصة من دول مجموعة ال 7، فقد وصلنا إلى مستوى من المعاناة الإنسانية لا مثيل لها منذ تأسيس الأمم المتحدة قبل 70 عاما».إذا كانت بعض من الحروب يمكن أن تنتهي، فهذا يتطلب عقودا من الزمن وبلايين من الدولارات لمواجهة عواقبها. وسيصبح التحدي للقيام بذلك أكثر تعقيدا مع تضاعف احتاجات الناس الذين شردوا بسبب تغير الطقس والكوارث الطبيعية. وقالت مستشارة ألمانيا انجيلا ميركل، رئيسة الدولة الوحيدة من أعضاء مجموعة الدول ال 7 التي حضرت القمة، في المؤتمر الصحفي الذي عقد في اسطنبول «اليوم، نحن حتى الآن لم نُفعل نظام مساعدات إنسانية، وقد قُدمت العديد من التوسلات، لكن المال لم يصل إلى المكان الذي هو بحاجة ماسة له». وينفق المجتمع الدولي ما يقارب 25 بليون دولار سنويا على المساعدات الإنسانية، الذي يبدو كثيرا لكنه في الحقيقة أقل ب15 بليون دولار من حاجة وكالات الإغاثة للقيام بالعمل بشكل صحيح. ومن بين الوكالات التي بحاجة إلى إصلاح وتطوير هي المفوضية الأمم المتحدة للاجئين، التي تدير عملية إعادة توطين اللاجئين والتي لم تمول بشكل كاف لعدة سنوات. وهذا الأمر أجبر ملايين من اللاجئين على تسليم مصيرهم للمهربين عديمي الضمير والخروج في رحلات خطرة للبحث عن بداية جديدة. ووفقا للوكالة، هناك أكثر من 59.5 مليون مشرد بالقوة، بما في ذلك ما يقارب 19.5 مليون لاجئ. ويستمر مهنيون في المجال الطبي بأداء عمل بطولي في مناطق الحروب، حتى عند تعرضهم للهجوم بشكل دوري أو بشكل متعمد في بعض الأحيان. وكانت منظمة أطباء بلا حدود، والتي تدير مستشفيات ميدان المعركة، قد قاطعت اجتماع القمة، ودعته بأنه «ورقة توت من النوايا الحسنة». والمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والدواء، عادة ما يصل إلى المجتمعات المحاصرة متأخر جدا، إن لم تصل أبدا. وهذا يعني أن الناس يموتون يوميا من سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية الأساسية. حتى في الأجزاء المستقرة نسبيا في العالم، هناك إهمال واسع للمؤسسات التي تحقق بانتهاك حقوق الإنسان. وكانت اللجنة الأميركية الدولية لحقوق الإنسان، والتي تحقق بالانتهاكات في أميركا اللاتينية، قد أعلنت مؤخرا أنها ستقوم قريبا بتسريح نصف موظفيها نتيجة لعجز الميزانية المزمن. وكان منظمو الاجتماع قد أصدروا سلسلة من الأهداف مؤخرا في نهاية القمة التي استمرت يومين. وقد طلبوا من الرؤساء القيام بالمزيد لمنع الحرب، وتقديم الدعم لمعايير حقوق الإنسان وتوزيع عبء إعادة توطين اللاجئين بشكل أكثر إنصافا. هناك طموحات كبيرة، لكن إن لم يقم قادة العالم بالالتزامات المعلقة لتنفيذ تلك الطموحات فمن غير المحتمل أن تُنفذ. وقد يكون من المناسب سياسيا اقتراح التشجيع على إقامة الحواجز والتشديد على مراقبة الهجرة كجهود لجعل موجة المعاناة واليأس في طريق مسدود. لكن القيام بذلك من شأنه فقط رفع التكلفة طويلة الأجل للتعامل مع الأزمات التي تتفشى كل عام.
الدستور