“أمي أمي لا تضربها أرجوك، أرجوك دعها، ماذا فعلت كي تعاملها بهذه القسوة، أبي أحلفك بالله أن تدعها أرجوك”.
تسرد لنا رهام (اسم مستعار) ابنة مدينة الباب بعمر 18عاماً قصة حزنها التي تكررت أكثر من مرّة لكنها المرة الأولى التي تمتد ليصل الضرب لها.
دخل والدي بعد العصر إلى المنزل والغضب واضح في عينيه، لكن لم يكن الأمر مألوفاً، كما العادة هو غاضب دائما.
لِمَ!، لا ندري وهو لا يقول، كان كلما عاد للمنزل وقد عكّر صفوه أمر ما خارج المنزل نحن نستقبل بركان غضبه.
فقد كانت أمي التي تجاوزت 43 عاماً لتصبح بهذا العمر حلبة المصارعة خاصته التي يفرغ عليها كل قهر تعرض خارج المنزل.
كانت دائما معرّضة للإهانة، وهي لا تستطيع حتى سؤاله عما يفعله، لكن دائما تردد بصوت مرتبك خائف، متردد، يكاد يُسمع سألته أمي كالعادة ما بك؟
هل أنت على ما يرام؟
لم تلقَ رداً، فرد والدي كان مختلفاً في كل مرة، سرعان ما أخذ يضرب أمي ضرباً أليماً، دون سابق إنذار وهي تصرخ، وترجوه إيقاف الضرب، تلتمس الرحمة في قلبه عساه يتركها، أو على الأقل يخبرها بسبب ضربه لها.
تستنجد أمي بذاك الجسد النحيل الذي أنهكه التعب، القلب الذي هشمه التأنيب والتوبيخ باستمرار بسؤالها المعتاد:
ما بك!
أرجوك دعني.
ماذا فعلت!، أرجوك لا تضربني.
لكن كالعادة لا يوجد رد ولا حتى بحرف واحد.
استمرَّ في ضربها حتى أصبح وجهها شاحباً، ودموع عينيها أنهاراً لا تتوقف، قلبها المنكسر تسارعت دقاته من كثرة الألم والبكاء، وعلامات الضرب أخذت تترك أثراً في جسمها النحيل، الندبات الزرقاء تزيد أكثر فأكثر.
أخذت أبكي بحرقة، بل أجهشت بالبكاء، أردد في قلبي الذي اعتاد على مشاهدة هذه المواقف لِمَ، لِمَ تعامل أمي هكذا؟.
هل لأننا نساء نضرب بهذه القسوة ودون سبب؟!
هل النساء هم حقاً ملجئ لتفريغ غضب الرجل عندما تواجهه مشكلة خارج المنزل؟
انكسر قلبي، وذرفت عيني الدموع وأنا أرى أمي الحنونة، تضرب بقسوة، وكأن الضرب يقع عليّ لا عليها، أقف عاجزة تماماً عن إنقاذها، الموقف الذي يعاد أمامي مراراً وتكراراً وأنا أقف كشخص عادي لا حول لي ولا قوة، فقط أنصرها بدموعي.
استمر بكاء قلبي مع انهمار دموع عيني، هذه المرة الأولى في حياتي التي أُصفَعُ فيها على وجهي، لقد ضربني أبي، نعم ضربني، ومن ثمّ انهال علي بالضرب بشكل عشوائي.
صدمة كبيرة اجتاحت قلبي، لم استوعب الأمر، هل أبي يضربني!
استقبلت ضرباً مبرّحا، حتى أصبحت علامات الضرب التي ظهرت على أمي تظهر عليّ، وكأنّني الآن أنصرها بتلك الكدمات الزرقاء أيضاً.
أخي الصغير، ذو الشعر الأسود، مع تلك العينين السوداوين اللتين لم تشاهدا سوى عذاب أمي، أخي الذي لم يتجاوز ال11سنة دخل المطبخ، خائفاً، الرعب الذي سيطر على قلبه انعكس على عينيه ليبدو كصدمة قضت عليه، ليردد كلمات لا تتناسب مع عمره، قلبه المرتجف الصغير جعله يكره كلمة “بابا”.
تعالت صرخاتنا أكثر فأكثر عساها تصل لنصيرٍ ما، فيأتي ليخلّصنا من بين يديه ، سمعنا عمي ودخل بسرعه هائلة، بجسمه النحيل على عكس جسم والدي ذو صحة لا بأس بها، أبي الذي أخذ يقاومه ليكمل ضربنا.
استطاع عمي أن يخلصنا من بين يديه بصعوبة، ثم أخذه خارج المنزل، لنجلس أنا وأمي وأخي نواسي بعضنا بعضا، كان البكاء هو السبيل الوحيد الذي نفرغ من خلاله قهرنا وانكسارنا، نلتم على بعضنا أنا وأمي وأخي الصغير، نردد تباً لرجل كان نبيه يحترم ويكرم المرأة وهو يهينها بلا سبب واضح، هل نهان لأننا نساء فقط، هل نضرب لهذا السبب! .
بقي عمي عندنا عساه يؤمّن لنا بعض الحماية حتى تنتهي نوبة غضب والدي بعد أن رماه خارج المنزل؛ ليفرغ غضبه بعيداً عنّا، لكن الأمر الأكثر سوءاً هو طلاق أمي الذي ردده والدي عند ضربها، دمر منزلي، وشتت عائلتي، أو لا يسعني القول بأنه دمار؟، يمكنني قول إنه حرّيّة أمي التي ضمنت لها العيش بسلام، لتبقى بعيدة عن ذاك الرجل الذي لم يعطها سوى الألم والتعب.
لكن أم رهام ليست الوحيدة على هذا الكوكب التي تتعرض للعنف، بل العنف ضد المرأة يأخذ مساحة واسعة من قضايا المجتمع كما يشير موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أنّ نسبة العنف ضدّ النساء في بعض البلدان تبلغ نحو 70%. ويؤكّد أنّ 37% من النساء في العالم العربي تعرّضن لعنف جسدي أو جنسي لمرّة واحدة في حياتهن على الأقلّ، وقد أضاف أنّ الإحصائيات قد تكون أعلى، لكن غياب الإحصائيات التي يمكنها أن توثّق جميع الحالات يمكنه أن يغيّر في النتيجة.
إننا نرى المشكلة التي تتعرض لها أغلب النساء “العنف”، فلو فهم كل رجل معنى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَا أهان المرأة، فلم يهنها إلا لئيم ولم يكرمها إلا كريم
قصة خبرية
شيماء قادرو
المصدر الصحفي السوري