لندن – تتجه بريطانيا وفرنسا إلى اعتماد السبل الدبلوماسية والدفع باتجاه عملية سياسية في سوريا بعد الضربات التي وجهتها بقيادة الولايات المتحدة ضد أهداف تابعة للنظام السوري.
وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الأحد إن بريطانيا لا تسعى إلى تصعيد بشأن سوريا لكنها ستواصل الضغط على الأسد من أجل الجلوس إلى طاولة التفاوض.
وأوضح جونسون أن بلاده ستبحث “الخيارات” مع حلفائها إذا استخدم الرئيس السوري بشار الأسد أسلحة كيماوية مرة أخرى ضد شعبه، مضيفا أنه ليس هناك شيء مخطط حتى الآن.
ودعم جونسون قرار رئيسة الوزراء تيريزا ماي بالانضمام للولايات المتحدة وفرنسا في ضرب منشآت للأسلحة الكيماوية في سوريا السبت قائلا إنه كان تصرفا صائبا لمنع استخدام الأسلحة الكيماوية مجددا.
وتابع في برنامج أندرو مار على تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية “ليس هناك اقتراح على الطاولة حاليا بشن المزيد من الهجمات لأن نظام الأسد لم يكن من الحماقة لشن هجوم كيماوي آخر”.
وتأتي تصريحات جونسون منسجمة مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان الذي أعلن أن بلاده في اتجاه عملية سياسية في سوريا تسمح بإيجاد مخرج للأزمة.
يرى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أنه بعد الضربات الغربية على سوريا، يعود لروسيا أن تضغط على حليفها الرئيس السوري بشار الأسد للبحث عن مخرج للأزمة السياسية.
وقال لودريان “نأمل الآن أن تدرك روسيا أنه بعد الرد العسكري علينا أن نضم جهودنا للدفع في اتجاه عملية سياسية في سوريا تسمح بإيجاد مخرج للأزمة” مؤكدا أن “فرنسا تعرض مساهمتها للتوصل إلى ذلك”.
وتابع في مقابلة أجرتها معه صحيفة “لو جورنال دو ديمانش” “من يعرقل هذه العملية اليوم هو بشار الأسد نفسه. على روسيا أن تضغط عليه”.
والخطوة الأولى من أجل ذلك برأي الوزير تقضي بـ”البدء بهدنة يتم الالتزام بها فعليا هذه المرة طبقا لما تنص عليه قرارات مجلس الأمن” الدولي، داعيا إلى تفعيل دور الأمم المتحدة بعدما باتت مهمشة في الأزمة السورية.
ونفذت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضربات جوية على سوريا ليل الجمعة السبت ردا على هجوم كيميائي مفترض وقع في السابع من ابريل في مدينة دوما التي كانت آخر معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، وتحمل الدول الثلاث مسؤوليته لنظام دمشق.
وترى فرنسا أن هذه الضربات يجب أن تسمح باستئناف مفاوضات في إطار الأمم المتحدة في وقت تعثرت مختلف الآليات الدبلوماسية.
ومن شأن السيطرة على الغوطة الشرقية أن تتيح للجيش السوري التركيز على جبهات أخرى، قد تكون درعا جنوباً أو ادلب في شمال غرب البلاد.
وقال لودريان بهذا الصدد إن “مصير إدلب يجب أن يحسم في إطار عملية سياسية تتضمن نزع أسلحة الميليشيات”.
لكنه أشار إلى أن باريس تعمل أيضا على آليات أخرى. وأوضح “بحسب استراتيجيتنا، فإن تحريك العملية السياسية يفترض مشاركة جميع الأطراف السوريين والإقليميين”.
وتابع لودريان “سنبحث ذلك مع شركائنا في المجموعة المصغرة (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن) لكن ينبغي بذل كل ما في وسعنا لمنع الوجود العسكري الإيراني في سوريا من أن يقود إلى امتداد النزاع الى خارج الحدود السورية”.
بعد ساعات على الضربات الجوية، تقدّمت فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا السبت إلى شركائها الـ 12 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار، يتضمن إنشاء آلية تحقيق جديدة حول استخدام الأسلحة الكيمياوية.
ومشروع القرار المشترك للدول الغربية الثلاث الذي حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منه، يدعو ايضا الى ايصال المساعدات الانسانية وبدء محادثات سلام سورية برعاية الامم المتحدة.
وتشير هذه الخطوة الى سعي الغرب الى العودة الى الدبلوماسية بعد توجيهه ضربات لليلة واحدة الى مواقع، قال انها مرتبطة بالبرنامج الكيمياوي السوري.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اقتراح مشروع قرار داخل مجلس الامن يجمع الجوانب الكيمياوية والإنسانية والسياسية للنزاع السوري المستمر منذ أكثر من سبع سنوات.
وقالت مصادر دبلوماسية ان المفاوضات حول النص يفترض ان تبدأ الاثنين. ولم يتم حتى الآن تحديد موعد للتصويت على النص لان باريس اعطاء الوقت لاجراء “مفاوضات حقيقية”، وفق ما اوضح احد الدبلوماسيين.
وقال دبلوماسي طلب عدم الكشف عن اسمه ان الهدف “ليس تغيير معادلات” ولا “تجميع” نصوص موجودة اصلا، بل البرهنة على ان التدخل العسكري الغربي في سوريا هو “في خدمة استراتيجية سياسية”.
وبين ما ينص عليه مشروع القرار انشاء “آلية مستقلة” للتحقيق في المعلومات عن استخدام غازات سامة في هجمات في سوريا بهدف كشف مرتكبيها وتحديد المسؤوليات “على أساس مبادئ الحياد والمهنية”.
مشروع القرار، يتضمن إنشاء آلية تحقيق جديدة حول استخدام الأسلحة الكيمياوية ويدعو الى ايصال المساعدات الانسانية وبدء محادثات سلام سورية برعاية الأمم المتحدة
ويدين مشروع القرار “بأشد العبارات أيّ لجوء إلى الأسلحة الكيميائية في سوريا وخصوصا هجوم السابع من ابريل في دوما”. كما يدعو سوريا إلى التعاون الكامل مع المنظمة الدولية حظر الأسلحة الكيميائية.
ووزع مشروع القرار على الدول ال15 الاعضاء في مجلس الامن بعد اقل من 24 ساعة على سلسلة الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في سوريا لمعاقبة النظام السوري الذي تتهمه بهجوم كيميائي مفترض وقع في السابع من ابريل في دوما بالقرب من دمشق.
وتنفي روسيا وسوريا ان تكون اسلحة كيميائية استخدمت في هذه البلدة الواقعة في الغوطة الشرقية.
ويدعو مشروع القرار الى تطبيق قرار وقف اطلاق النار الذي تم تبنيه في فبراير و”يطلب”، في المجال السياسي، من “السلطات السورية الدخول في مفاوضات سورية سورية بحسن نية وبطريقة بنّاءة وبلا شروط مسبقة”.
وهذه المفاوضات التي اخفقت حتى الآن، ينبغي ان تتناول الحوكمة ومسألة الدستور والانتخابات ومكافحة الارهاب واجراءات لاحلال الثقة.
وفي مجال المساعدات الإنسانية، يبدأ النص بدعوة الى “وقف مستدام لإطلاق نار” ويدعو كل الدول الاعضاء إلى استخدام نفوذها لتطبيق وقف اطلاق النار. وهو يطالب “بايصال المساعدات الإنسانية من دون قيود” في كل أنحاء سوريا وبإمكانية “القيام بعمليات اجلاء طبي وفقا للاحتياجات والحالات العاجلة”.
واخيرا يدعو مشروع القرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى تقديم تقرير عن تطبيق هذا النص في غضون 15 يوما من تبنيه.
انعاش
يرى الغربيون ان عمليتهم العسكرية فجر السبت في سوريا بقيت “محدودة”. وقال دبلوماسي غربي ان رد فعل روسيا “جاء في الحد الادنى”، ملمحا الى امكانية تعاون مع موسكو بشأن قرار جديد.
وجاء تقديم النص غداة اجتماع عاصف لمجلس الامن دعت اليه روسيا التي وصفت العملية الغربية ضد سوريا ب”العدوان” وطلبت ادانها.
الا ان مشروع قرار ادانة للعملية الغربية لم يحصل على تأييد اكثر من دولتين هما الصين وبوليفيا. واعترضت ثماني دول على النص بينما امتنعت اربع اخرى.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة في الامم المتحدة نيكي هايلي انها واثقة من ان الضربات العسكرية عطلت برنامج الاسلحة الكيميائية السوري. وحذرت من ان الولايات المتحدة “مستعدة” لشن ضربات مجددا اذا وقع هجوم كيميائي جديد في سوريا.
واتهم السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا الغرب ب”الهمجية” وطلب ان “يوقف اعماله ضد سوريا فورا والامتناع عن القيام باعمال جديدة في المستقبل”. وقال “انتم لا تضعون انفسكم فوق القانون الدولي بل تحاولون اعادة كتابة القانون الدولي”.
وقال دبلوماسي غربي لوكالة فرانس برس ان مستقبل هذا النص يكمن في عملية “انعاش” لمجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين).
ومنذ بداية النزاع في سوريا بدت هذه الدول منقسمة في اغلب الاحيان حول هذا الملف الذي استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) 12 مرة ضد مشاريع قرارات مرتبطة به.
ومنذ بداية العام لم يتخذ مجلس الامن اي موقف بالاجماع الا مرة واحدة بشأن سوريا للمطالبة بوقف لاطلاق النار.
وقال الدبلوماسي نفسه انه يجب احياء “تفاهم بين الامم” للتقدم وانهاء النزاع السوري.
المصدر: صحيفة العرب