ترجمة: علاء الدين أبو زينة
أصبح نظام الرئيس السوري بشار الأسد تحت ضغط متزايد على جبهات عدة في الحرب الطاحنة الدائرة في سورية، مع فقدان مساحات كبيرة من الأرض لصالح مقاتلي المعارضة ومجموعة “داعش”، حيث أصبحت الموارد الاستراتيجية الخاضعة لسيطرة النظام تحت الهجوم.
الهزيمة التي تلقاها الأسد في إدلب، وحمص الشرقية ودرعا في الجنوب، مصحوبة بتجدد الضغط على قواته في حلب ودير الزور إلى الشرق، واحتمال خسارة حقول الغاز لمجموعة “داعش”، كلها أمور تركت النظام في موقف حرج، مع قليل من الخيارات سوى تركيز قواته في المعاقل الغربية، والتخلي عن كثير من أجزاء البلاد لقوات المعارضة و”داعش”.
في هذه الأثناء، يواجه الثوار المدعومون بسلسلة من الانتصارات التي حققوها ضد الأسد، تحديات جديدة في حكم المناطق التي أصبحت تحت سيطرتهم، كما أن حملات القصف الجوي التي يشنها النظام، والهجمات التي يشنها “داعش” في ميدان معركة، تزداد تشابكاً باطراد.
يقول تشارلز ليستر، الزميل الزائر في مركز أبحاث بروكينغر في الدوحة، ومؤلف كتاب “تنميط الدولة الإسلامية”: “يشكل هذا بلا شك أضعف موقف استراتيجي يجد النظام نفسه فيه منذ أوائل العام 2013. ولكن، لا ينبغي المبالغة في تقدير حجم الضعف حتى الآن. ما يبدو أنه يحدث الآن هو إعادة رسم لخريطة النفوذ في سورية؛ حيث يبدو النظام راغباً في التخلي عن أراض خارج مناطقه ذات القيمة المرتفعة الحاسمة”.
في هذا الأسبوع، تمكن فصيل “الجبهة الجنوبية”، وهو تحالف للثوار من الاتجاه السائد المدعومين من الغرب، من الاستيلاء على قاعدة عسكرية رئيسية، معروفة باسم اللواء 52 في منطقة درعا، بعد شن هجوم استمر لست ساعات على المنشأة التي تقع بالقرب من الطريق الرئيسي المؤدي إلى دمشق، وتضم كميات كبيرة من الذخيرة والعتاد. كما زعمت قوات الثوار أيضاً أنها تمكنت من إسقاط طائرة للنظام من طراز “ميج” بواسطة المدافع المضادة للطائرات يوم الخميس الماضي.
جاء انهيار النظام في قاعدة درعا الاستراتيجية بعد تفكك سريع مماثل في أنحاء أخرى من البلاد. وفي مدينة تدمر التاريخية، الواقعة إلى الشرق من حمص، فرت قوات النظام بعد حصار فرضته عليها قوات “داعش” طوال أسبوع، تاركة خلفها آلاف المدنيين وآثار المدينة القديمة تحت رحمة المجموعة الإرهابية.
في أواخر أيار (مايو)، تمكن تحالف من الثوار معروف باسم “جيش الفتح”، والذي يضم المجموعة التابعة لتنظيم القاعدة في سورية، جبهة النصرة، من احتلال آخر معاقل النظام الرئيسية في محافظة إدلب في مدينة أريحا في غضون أربع ساعات فقط، على نحو ترك المحافظة بالكامل تقريباً في أيدي الثوار.
وفي حلب، يقاتل تحالف من الثوار مكون بشكل أساسي من المقاتلين الإسلاميين كلاً من قوات النظام وقوات “داعش” معاً، وقد أعلن مؤخراً عن تشكيل قيادة مشتركة للعمليات التي تهدف إلى السيطرة على كامل المدينة، بينما يتحرك مقاتلو التحالف لقطع طرق إمدادات النظام في ما كانت العاصمة التجارية لسورية. وكان الثوار قد ظهروا ضعيفين ذات مرة، حيث فقدوا 1.500 مقاتل في هجوم شنوه في العام الماضي لطرد “داعش” من المدينة.
أما الآن، فقد ترتب على الثوار أن يحكموا مساحات كبيرة من الأراضي التي استولوا عليها من الأسد، وأن يعيشوا تحت تهديد غارات جوية لا تتوقف على المناطق التي فقدها النظام. وجاء التقدم الذي أحرزه الثوار بعد هجمات شنها النظام مع ترويج إعلامي كبير في حلب، وكذلك في الجنوب، والتي شاركت فيها مجموعة حزب الله اللبنانية، لكنها تعثرت في مواجهة مقاومة المعارضة.
في بيان صدر يوم الأربعاء الماضي، دعت “جبهة النصرة” أيضاً إلى تأسيس جيش موحد للثوار في الغوطة، إحدى ضواحي دمشق، من أجل الانقضاض على القوات الموالية للنظام. وفي مقابلة حديثة، قال قائد المجموعة، أبو محمد الجولاني، أنهم سوف يركزون أنظارهم قريباً على العاصمة التي يرون في سقوطها ضربة قاصمة ونهائية للنظام.
يقول المحللون أن الهجمات السريعة ربما تكون إشارة على أن النظام لم يعد راغباً في التمسك بالأراضي الواقعة خارج معاقله الغربية، وأنه يركز بدلاً من ذلك على إعادة التخندق في الغرب، في شريط من الأراضي التي تضم معاقله العلوية الساحلية، وحمص وحماة ودمشق، امتداداً إلى سلسلة جبال القلمون على الحدود مع لبنان، حيث يتمتع حزب الله بالنفوذ.
تشكل تلك الخطوة انعكاساً للواقع الديموغرافي الذي يتجلى في حرب أهلية تتضمن نظاماً تقوده أقلية. ويقول ليستر: “حتى مدينة حلب نفسها ربما تكون مستثناة من أولوياته الاستراتيجية في الأسابيع والشهور المقبلة. لقد عانى النظام بلا شك من بعض الخسائر المهمة مؤخراً، ولكن، وإلى أن تصبح هذه المناطق الاستراتيجية حقاً تحت التهديد، فإننا ما نزال على مسافة كبيرة من إمكانية القول إن بقاء النظام أصبح تحت تهديد وجودي”.
يهدد “داعش” أيضاً بعض الموارد الرئيسية للنظام، وخاصة منشآت الغاز الواقعة إلى الغرب من مدينة تدمر، والمسؤولية عن توليد نصف الكهرباء في البلاد تقريباً. وبينما تسيطر المجموعة المتشددة مسبقاً على حقول غاز آراك والهيل بالقرب من تدمر، فقد شنت هجمات إلى غرب المدينة على حقل غاز الشاعر، وهي تقترب أكثر من ثلاثة مرافق أخرى في المنطقة -حيان، وجهار وإيبلا.
تنتج الحقول الغربية حوالي 350 مليون قدم مكعبة من الغاز في اليوم، أو ما يعادل نصف حجم ما تولده من الكهرباء على الصعيد الوطني في زمن الحرب. ويقول روبين ميلز، خبير النفط والغاز والزميل غير المقيم في مركز بروكينغز في الدوحة: “سوف تكون تلك ضربة قوية حقاً لإمدادات الطاقة إلى دمشق”.
على الأرجح، سوف يجبر فقدان مرافق الغاز إيران، التي كانت تزود الأسد بزيت الوقود والديزل خلال الحرب، على وقف مساهماتها، كما يقول ميلز. كما أنه سيسمح لمجموعة “داعش” بحرمان النظام من إمدادات الطاقة، حيث لا تمتلك المجموعة المتشددة الخبرة والمعدات الضرورية لضخ الغاز وإخراجه من الأرض واستخدامه في المناطق التي تسيطر عليها. وبالإضافة إلى ذلك، تفتح السيطرة على المناطق الاستراتيجية في شرق حمص الطريق أمام المنظمة لمهاجمة معاقل النظام الغربية.
يقول يزيد الصايغ، الخبير في مركز كارنيغي الشرق الأوسط: “إنه وضع أقرب إلى حرمان النظام من مورد رئيسي مما هو مكسب لمجموعة داعش. وافتراضي هو أن هدف داعش الرئيسي من ضم هذه المناطق هو هدف عسكري واستراتيجي: إنه يضع نفسه في موقف يهدد فيه منطقة دمشق، وشرق الغوطة، وشرق القلمون، ومحافظة السويداء، مع إمكانية تشكيل ضغط على حمص”.