ظهرت العولمة في سبعينيات القرن التاسع عشر, فيما تعززت نتيجة التطورات التي أحدثتها الثورة التكنولوجية والمواصلات والاتصالات في أواخر ثمانينات القرن الماضي, التي تزامنت مع ظهور شبكة الأنترنت وفتح الحدود ورفع الحواجز السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الدول، وتعميم مكتسبات الحداثة والتقدم والديمقراطية في العالم.
وأصبح العالم عبارة عن جملة واحدة أي سوق اقتصادي واحد؛ نتيجة التقارب بين المجتمعات الذي سببه ربط المؤسسات والأسواق والجامعات والبث التلفزيوني بواسطة الأقمار الصناعية والأنترنت.
لم ترتبط العولمة فقط بالتقارب الثقافي والالتقاء بين الحضارات إنما ارتبطت أيضاً بالمشروع السياسي الأمريكي في مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة, من عولمة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية.
فيما ساعدت العولمة بإلغاء أو التقليل من القيود الجمركية وغير الجمركية -على أقل تقدير- فيما بين الدول والتحرير. ورفع القيود أمام تنقل السلع ورؤوس الأموال ساهم ذلك في تدفق السلع بشكل كبير.
واعتبرت العولمة على أنها ظاهرة إضفاء الطابع المالي على الاقتصاد العالمي من خلال حجم التدفقات النقدية بين الدول؛ نتيجة لسياسات التحرير وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي حيث سعت الدول من خلالها لجلب استثمارات خارجية لانعاش الاقتصادات المنهارة.
ونتيجة لذلك أصبح حجم الصفقات المالية اليومية في أسواق الصرف كبيراً, حيث سجل حجم المعاملات المالية 70 مرة حجم تجارة السلع والخدمات, فبلغ حجم التداول في الأسواق المالية ما يزيد عن 1500 مليار دولار يوميا في المتوسط في حين أن القيمة السنوية للتجارة العالمية تقدر بـ 5000 مليار دولار فقط(1), وبالتالي فإن حجم التعامل في الأصول المالية تجاوز حجم التعامل في السلع والتجارة الخارجية, فبلغ حجم التعامل اليومي في العملات ما يزيد عن 900 مليار دولار وحجم سوق السندات الدولي 1.6 مليار دولار.
ساهمت العولمة بانتعاش الدول في كافة المجالات، إذ أحدثت تقدما هائلا وثورة علمية هائلة في مجال الطب والإنسانية وعلم الفضاء والتواصل من خلال تقدم العلاقات التجارية وسهولة انجازها وسهولة انجاز جميع المعاملات والعمليات والاتصالات بسرعة هائلة كما أنها وفرت الوقت والجهد في آن.
فقد أتاحت المعرفة للجميع ونقل الأبحاث والعلوم المختلفة بين الدول وعرضِ آخرِ ما توصل إليه العلم والاشتراك بالخبرات بين المختصين بكافة المجالات, فيما وفرت أيضا فرصاً كثيرة في السوق العالمية لحصد الأرباح, من خلال الاستفادة من التجارب الاقتصادية للآخرين، وأيضاً خلق استثمارات جديدة.
لكن لا ننسى بأن العولمة أيضا ساهمت في استخدام العلم والتقنية والتطور في تدمير الإنسانية وصناعة اسلحة الدمار والأسلحة الكيماوية وساهمت في نشر الأسرار أو الأخبار أو بعض أمور الأمن, التي أثرت على سياسات وأمن كثير من الدول.
بالإضافة الى أن استخدام التقدم التكنولوجي ساهم في انحدار القيم الأخلاقية لبعض الأشخاص نتيجة الاستخدام السيء للتكنولوجيا وتأثر هذا الجيل بالحضارات والثقافات والاقتداء بالكثير من السلبيات.. إذ زاد الفقراء فقراً في بعض المناطق من خلال سيطرة الدول الكبرى على اقتصادات الدول النامية أو الفقيرة وفرض سياساتها عليها وسرقة مصادر تلك الدول وخيراتها والتشويه الثقافي لها.
أخيرا لا بد من الإقرار بأن العولمة ساهمت في مسح هوية بعض ثقافات الدول، لكن لها الفضل في الوصول إلى تقدم المجتمعات بشكل عام.
المركز الصحفي السوري- أسماء العبد