“مشاكلنا الكبرى هنا الآن أصبحت مع الشرطة”، هكذا بدأ المصري عبد النبي الذي يعمل عامل بناء، وعاش في الأردن منذ 11 عاماً.
“نحن نعمل هنا بطريقة غير قانونية”، كما يقول، بينما يخلط الخرسانة وينشرها على حوائط مبنى غير مكتمل في ضواحي العاصمة عمّان، وفقاً لما نشره موقع Middle East Eye.
ويضيف “نحن جميعاً من نفس القرية في طنطا”. جلبت الروابط الأسرية والصداقات عبدالنبي وعمّال مصريين آخرين إلى الأردن. قال عبدالنبي أنهم جاءوا من أجل العمل في الزراعة، لكن بعد أن يأسوا من ظروف العمل الشاقة، سعى المصريون للتوظيف في قطاعات أخرى.
ينوي عبدالنبي العودة إلى مصر في الشهرين أو الثلاثة القادمة.. “لم نأتِ إلى هنا من أجل إنشاء مشاريعنا التجارية الخاصة، ولا من أجل بناء أنفسنا. لقد جئنا إلى هنا لندّخر أقل القليل الذي يمكّننا من الزواج أو من مساندة أسرنا”.
تتردد صدى مخاوف عبدالنبي لدى عمّال مصريين مهاجرين غيره في الأردن.
“الفوضى والمنافسة” في سوق العمالة بالأردن
منذ انعقاد مؤتمر للمانحين في فبراير/شباط الماضي في لندن، والذي تعهّدت فيه الأردن بمنح 200 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين على مدار الثلاثة أعوام المقبلة، ضيّقت البلاد الخناق على العمال المصريين.
في يونيو/حزيران، أعلن وزير العمل أن الأردن سيتوقف عن طلب عمالة أجنبية مهاجرة، فيما عدا العمالة الداخلية. وفقاً للبيان المنشور على موقع الوزارة، وُضع القرار من أجل “تنظيم وتقييم سوق العمل المحلي”. ويضيف أن السياسة الجديدة تهدف إلى التعامل مع “اختلالات السوق، خاصة القطاع الزراعي”، بسبب “تسرب” العمال من الزراعة إلى القطاعات الأخرى.
أعزى وزير العمل الخطوة إلى “تبعات أزمة اللاجئين السوريين ودخول أعداد كبيرة منهم إلى سوق العمل”.
أدى ذلك، كما تقول الوزارة إلى “بطالة واسعة في صفوف العمال الأردنيين في المحافظات وفي كافة القطاعات”.
حتى الآن، مُنح 25 ألف سوري تصريح عمل، وهو عدد “ضئيل للغاية” مقارنة بعدد السوريين الذين يعملون بشكل غير رسمي، والذي يتراوح بين 100 ألف و150 ألفاً، وفقاً لليندا القلش، مديرة “تمكين”، وهو مركز مساعدة ودعم قانوني للعمال المهاجرين.
يُعتبر العدد متواضعاً أيضاً عند الأخذ في الاعتبار أعداد السوريين الذين يعيشون في الأردن، الذين -وفقاً لما تقوله القلش- “ينبغي أن يُسمح لهم بالعمل طالما أنهم يعيشون هنا”.
قالت وزارة العمل في يوليو/تموز، إن هناك 800 ألف عامل أجنبي مهاجر في الأردن، وحوالي 300 ألف فقط منهم يحملون تصاريح عمل غير منتهية الصلاحية. 65% من العمال المهاجرين مصريون.
في دراسة أجرتها وكالة Swiss للتنمية والتعاون (SADC)، وردت إحصاءات رسمية تشير إلى أن العدد الإجمالي للعمال المهاجرين، بمن فيهم الحالات غير الموثقة، كان حوالي 400 ألف عند نهاية عام 2012. مع ذلك، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2013، قالت (SADC) كذلك أن الصحف المحلية الأردنية ذكرت أن هناك مليوناً ونصف مليون عامل مهاجر في الأردن، معظمهم من جنسيات مصرية وسورية.
قالت القلش إن سوق العمالة بالأردن يتحول إلى سوق متشابك بصورة مطردة مع مزيد من “الفوضى والتعقيد”. يُسمح للمصريين بالتواجد في الأردن بدون تأشيرات، “والسوريون لن يغادروا لأنهم لاجئون، لذا فإن القرار جاء ضد مصلحة العمال المصريين”، وفقاً لما قالته القلش.
بينما قال بعض العمال المصريين لموقع Middle East Eye إنهم لاحظوا منافسة متزايدة من العمال السوريين الجدد، قال البعض الآخر أن السوق يبدو عليه عدم التأثر.
“إنه أمر معتاد أن يعمل المصريون فقط في قطاع الإنشاءات”، كما يقول عبدالنبي، “ولذا فلا يوجد الكثير من المنافسة”. وأضاف أن الوضع ربما يكون مختلفاً بالنسبة لمَن يعملون في المطاعم والمقاهي والمتاجر، حيث غالباً ما تكون المنافسة بين العمال السوريين والمصريين أكثر حدة.
“الموقف مختلف بالنسبة إليهم، ورغم كل ذلك؛ أتمنى لهم التوفيق؛ ليس لديهم حتى خيار العودة إلى بلادهم. إنهم لاجئون. نحن بإمكاننا العودة”.
اتفق خالد أحمد، وهو عامل بناء مصري أقدم، أمضى في الأردن أكثر من 20 عاماً، بأن هناك منافسة ضئيلة من السوريين. وقال “نحن نعمل في مجالاتٍ مختلفة”.
في موقع إنشاءات في عمّان حيثُ يجري العمل على بناء مستشفى، قال محمد داود، مدير أردني يُشرف على العمل “نحن لا نُوظف أي سوريين لأن ليس لديهم تصاريح عمل، ونحن لا نُوظف أي شخص بدون تصريح”.
“نحن نُوظف مصريين يعملون في قطاعات أخرى، ثم نحاول تغيير تصاريحهم”.
سوء المعاملة و”تسريبات” قطاع الزراعة
منذ سبعينيات القرن الماضي، وبدرجة أكبر حتى في ثمانينياته، كانت العمالة المصرية تذهب إلى الأردن للعمل في الزراعة والإنشاءات، كما تقول القلش.
وأضافت أن قطاع الزراعة يُعد الأسهل للعمالة الأجنبية في الحصول على تصاريح عمل، لكنه الأكثر عرضة لوقوع الانتهاكات.
“أتى (العمال المصريون) إلى هنا ولديهم انطباع أنهم أحرار في العمل بأي قطاع، وقد وجدوا الواقع مختلفاً بالطبع”، كما تواصل قلش حديثها. “لذا فقد تسربوا إلى قطاعاتٍ أخرى، التي لا يعمل بها الأردنيون كذلك.. القطاعات التي تتطلب الكثير من العمل البدني الشاق”.
“يمكننا القول إن أعداداً كبيرة من المصريين يُخدعون بدرجة ما في عقودهم وتوظيفهم”، تتابع القلش. يحدث هذا الأمر خاصة عندما يكون هناك وسطاء بين العامل وصاحب العمل الأردني.
قال محمد الخطيب، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، أن هناك على الأقل 100 ألف عامل تركوا قطاع الزراعة للعمل في مجالاتٍ أخرى. وأضاف في بيان أن قرار إيقاف توظيف العمالة الأجنبية المهاجرة جاء في ضوء خسائر اقتصادية للدولة وتزايد معدلات البطالة بين المواطنين الأردنيين. تقوم الحكومة الأردنية “بواجباتها” في العثور والقبض على العمال غير المسجلين”، كما قال الخطيب.
وقال محمود حجازي، الذي يعمل الآن بواباً في إحدى أحياء الطبقة العليا بعمّان، إنه عمل فقط في قطاع الزراعة حتى تمكن من العثور على طريق لمغادرته. “إن الأمر لا يستحق. ستعمل في مقابل 200 دينار (282 دولاراً) في الشهر. وهو بالكاد يغطي نفقاتك الشخصية. ما الجدوى إذن من المجيء إلى هنا؟”
يشتكي الكثير أيضاً من أنهم وجدوا أنفسهم تحت رحمة أرباب العمل. وفقاً لتقرير صادر عن “تمكين” عن عمالة المهاجرين، “يستدعي محامو “تمكين” إلى الأذهان حالاتٍ كثيرة كان يواجه فيها العامل المهاجر خطر الترحيل؛ فقط لأن صاحب العمل تقدّم بشكوى في حقه، حتى وإن كانت الشكوى مجرد نكاية فيه”.
تزايد احتمالية الاعتقال
تؤدي تلك العوامل إلى الاعتقال والترحيل، الأمر الذي تقول عنه “تمكين” إنه عادة ما يكون اعتباطياً، وهو تخوف كبير بالنسبة لغالبية العمال.
باعتبارك عاملاً مهاجراً، “عليك أن تتلقى سوء المعاملة وتظل صامتاً”، كما يقول رمضان مهدي، عامل مصري آخر يعمل في الأردن منذ أكثر من عقدٍ من الزمان.
يقف إلى جانبه عامل أصغر، يحي رضا، مضى على تواجده في الأردن شهران وطلب أن يُشار إليه باسم مستعار.
جاء رضا، مثل مئات الآخرين، بتصريح عملٍ في الزراعة، لكنه قرر العمل في قطاع الإنشاءات. “دفعت ألف دينار (ألفاً و400 دولار) حتى أتمكن من المجيء إلى هنا، وعليّ تعويض ذلك المبلغ”.
في الوقت القليل الذي أمضاه في الأردن، تعلّم بالفعل أن يتفادى الشرطة. “سيأخذون أي شخص. كنت مع صديق لديه تصريح عمل في الإنشاءات ومع ذلك أخذوه. لديّ تصريح عمل في الزراعة وتمكّنت من الهروب بعيداً”.
وقال إنه على العمال المهاجرين أن يكونوا حذرين، حتى عند تناول الغداء أو النوم. “يمكن أن تأتي الشرطة في أي وقت”.
بينما لا توجد قاعدة بيانات موحدة لعمليات اعتقال وترحيل العمال المهاجرين، قال أحمد عوض، مدير مركز Phenix للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أن حوالي 5 آلاف عامل مصري مهاجر تم ترحيلهم منذ بداية العام بسبب عدم حملهم تصاريح عمل.
“إذا كان العمال المصريون مُهمشين بالفعل ويعيشيون مواقف محفوفة بالمخاطر، فإن قرار الحكومة الأردنية في مؤتمر المانحين الدوليين في لندن بإصدار 25 ألف تصريح عمل للسوريين (بلا رسوم على عاتق أصحاب العمل) خلال عامين يزيد من تفاقم الوضع”، كما أخبر عوض موقع MME عبر البريد الإلكتروني.
“قُتل 3 أشخاص الأسبوع الماضي لأنهم كانوا يهربون من الشرطة”، كما يقول أحمد السيد، عامل بناء مصري في عمّان. “كانوا يعملون في موقع إنشاءات عندما وصلت الشرطة، وفي محاولة منهم للهرب قفزوا من الطابق الثالث ولقوا حتفهم في نهاية المطاف”.
قد يُحتجز الناس لمدة أسبوع أو أكثر قبل أن يُرحّلوا. “لماذا؟ ما الهدف من ذلك؟” يتساءل أحمد. كما سأل مهدي سؤالاً مشابهاً: “لماذا يأخذونني إلى الحبس؟ لماذا لا يتم أخذي مباشرة إلى بلادي؟”.
“سبب المشكلة يعود إلى مصر”
في نهاية اليوم، قال عبدالنبي إن هناك اتفاقاً بين العمال المصريين أن “سبب المشكلة يعود إلى مصر”.
“نحن نغادر ونبحث عن العمل في الخارج بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والفساد في بلادنا”، كما يقول عبدالنبي.
بينما تناشد الأردن السفارة المصرية في عمّان “بزيادة الوعي بين المصريين بأهمية الحصول على تصاريح عمل تحميهم وتضمن حقوقهم”، يقول العمال المصريون إن سفارتهم لا فائدة منها بنسبة كبيرة.
“يقضي السفير وقته في النوم وأكل المنسف (أكلة أردنية شعبية) فقط”، كما يقول أيمن شاهين، وهو عامل مصري في إحدى ضواحي عمّان.
“لقد أضربنا من قبل، لكن أحداً لم يحرك ساكناً”.
“إن السفارة مكان قذر”، قال عامل آخر. “لقد ذهبت إلى هناك وشعرت أنني أتحدث إلى جهاز المُخابرات”.
هافنغتون بوست