مرت العلاقات السعودية الإيرانية تاريخيا بمحطات بالغة الصعوبة، تصاعدت حدتها وارتفع منحنى التوتر فيها إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفراء.
فلم يكن مستغربا أبدا أن تفتتح المملكة السعودية العام 2016 بالإعلان عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، والتثنية بطرد دبلوماسييها، فمستوى التصعيد الإيراني ضد السعودية والحرب الإعلامية المفتوحة، ضدها شارك فيه كل من له صفة بإيران من أصغر سياسي فيها؛ فأصحاب العمائم وعلى رأسهم خطيب طهران وكافة الملالي وعلى رأسهم المرشد الأعلى للثورة والنواب الإيرانيون ووزير الخارجية ومساعدوه، وجوقة إعلامية مساندة لم يتوفقوا ولو للحظة واحدة من إطلاق الاتهامات والتصريحات ضد المملكة السعودية، واتهامها بقيادة الإرهاب في المنطقة.
إعدام نمر النمر ومجموعة ممّن أسمتهم السعودية “الإرهابيين”، فجّر الحنق الإيراني والغضب المشتعل أصلا ليخرج عن سياق كل الأعراف الدبلوماسية والعلاقات التي تربط بين الدول، إلى حرق المقرات الدبلوماسية السعودية وسفارتها في طهران، ما دفع الأخيرة للرد بحزم بقطع العلاقات مع إيران وطرد دبلوماسييها.
الحرب المفتوحة بين الطرفين الإيراني والسعودي على الأصعدة كافة، لم تتوقف في الساحة السورية واليمنية والعراقية، وتذبذبت صعودا وهبوطا قبل أن تستشعر السعودية الخطر الداهم عليها، بعد إعلان ملالي إيران عدة مرات أن عواصم عربية غدت لهم؛ دمشق فبغداد وصنعاء وأخيرا الحديث صراحة عن “مكة”، والمطالبة بتحريرها و”المدينة المنورة” من سيطرة “آل سعود”.
ولعل حديث الملالي الإيرانيين الصريح عن “أطماعهم” في مكة كان القشة التي قسمت ظهر البعير، لتبدأ السعودية بتصعيد متدرج وتفاجئ الجميع بإعلان “عاصفة الحزم” وترفع الكرت الأحمر بوجه الأطماع التوسعية الإيرانية في اليمن، الذي منح إيران الفرصة “لتمد عينها” إلى مكة.
وقبل أن يغلق الملف اليمني تفتح السعودية جبهة أخرى استباقية لوضع حد لأطماع إيران في سوريا والعراق، وتستضيف مؤتمر المعارضة السورية سعيا منها لإنهاء حقبة من المجازر، وإراقة دماء السوريين على يد الحليف الأكبر لإيران في المنطقة بشار الأسد.
ولشرح المنحنى التصاعدي للتوتر والمواجهة بين البلدين لا بد من المرور على محطات الصدام والمواجهة الحتمية بين البلدين، والإشارة سريعا لأسبابها وتداعياتها:
-العام 1979 سقط الشاه الذي كان يمثل العلاقات الجيدة بين البلدين، ليعلن عن حقبة جديدة في العلاقات المتوترة بين البلدين بعد السعي الإيراني الحثيث لتصدير الثورة.
– العام 1986: اكتشاف سلطات الأمن السعودية عددا من الحجاج الإيرانيين القادمين لمطار جدة، وهم يخبئون في حقائبهم مادة شديدة الانفجار وتُعرف باسم C4، وخلال تفتيش رجال الجمارك لعدد 95 حقيبة، تم ضبط ما يعادل 51 كجم من هذه المادة. وسجلت اعترافاتهم وأعلنت بالتلفزيون السعودي.
– العام 1987: أثار الحجاج الإيرانيون الشغب في مكة المكرمة لأجل تحرير فلسطين ورفضا للسياسة الأمريكيـة، أسفرت تلك الأحداث عن مقتل 402 من الأشخاص على النحو التالي: 85 من رجال الأمن والمواطنين السعوديين، 42 من بقية الحجاج الآخرين الذين تَصَدَّوا للمسيرة من مختلَف الجنسيات، 275 من الحجاج الإيرانيين المتظاهرين معظمهم من النساء.
– العام 1988: قام الحجاج الإيرانيون بمظاهرة سياسية عنيفة ضد الموقف السعودي الداعم للعراق في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وبعد الشغب مباشرة، طالب الخميني الشيعة بـ “الثأر لقتلى الحجاج الإيرانيين”، وذلك للإطاحة بالحكومة السعودية.
– العام 1989 وتحديدا شهر آب/ أغسطس يستغل الإيرانيون موسم الحج لإثارة الجلبة والفوضى والترويج لثورتهم، فيسقط قتلى وجرحى بين الحجاج، ما يضطر السعودية لقطع العلاقات الدبلوماسية بالجارة الإيرانية، وتستمر القطيعة حتى العام 1991.
– العام 2001 شهدت العلاقات استقرارا جعلها تسمّى بالفترة الذهبية بين البلدين، قادها هاشمي رفسنجاني، توجت باتفاقية أمنية وتبادل للزيارات بين البلدين.
– العام 2006: لكن فترة “العسل” بين البلدين لم تطل بعد أن وصل أحمدي نجاد إلى الحكم، وأطلق البرنامج النووي الإيراني ليعود التوتر، وتبدأ مرحلة جديدة من سباق التسلح بين البلدين.
– العام 2015: تصدرت حادثة تدافع الحجاج في منى في اليوم الأول من أيام عيد الأضحى المبارك، في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، وبلغت حصيلتها النهائية 2223 قتيلا، منهم 464 حاجا إيرانيا، معظم خطابات المسؤولين الإيرانيين الشهر الماضي.
ووضعت إيران غضنفر ركن آبادي سفير طهران السابق في بيروت الذي قتل ضمن الحجاج الإيرانيين في تدافع منى في كفة والحجاج الإيرانيين الباقين في كفة، لتخوض حربا إعلامية لا هوادة فيها ضد السعودية، قبل أن يتم العثور على جثمان آبادي ويتم تسليمه لإيران لينتهي جدلها حول الموضوع.
ـ العام 2016: السعودية تنفذ حكم “القصاص” بحق 47 شخصا، كان أبرزهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، لتشتغل الاحتجاجات في إيران ويتم حرق مقر السفارة السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مدينة مشهد، وعلى إثرها تعلن السعودية قطع علاقاتها مع إيران وطرد دبلوماسييها.
عربي 21