عُقد مؤتمر باريس للمعارضة الإيرانية بشكلٍ مميز هذا العام، إذ صدر بنسخة شرق أوسطية “آنس فيها العرب وحدة إخوتهم الفرس”، حيث أمنت الرعاية السعودية للمؤتمر حشداً عربياً ودولياً كبيراً للمؤتمر، وتغطية إعلامية غير مسبوقة؛ لقض مضجع ولي الفقيه في طهران، وتوجيه رسالةٍ أن المواجهة لن تقتصر على الدول العربية، وإنما ستمتد إلى الداخل الإيراني بالأسلوب نفسه الذي تتبعه إيران في المنطقة العربية.
من حيث الشكل، الخطوة السعودية صائبة في استغلال المعارضة الإيرانية، واللعب بورقة الداخل الإيراني المليء بالتناقضات، والتي تمثل ناراً تحت الرماد، يمكن أن تشتعل، إذا هبت عليها رياح خفيفة. ولكن، من حيث المضمون؛ هل توجد قيمة فعلية لمؤتمر باريس، خصوصاً وأنه اشتمل على تناقضاتٍ كفيلةٍ بدفن أي نتيجةٍ يمكن أن ينتهي إليها، لتشكل خطراً حقيقياً على نظام الملالي في طهران، كما وصفه المؤتمرون.
أبرز تناقضات الخطابات العربية في المؤتمر وأشدها مضاضةً كان في حديثها عن أن إسقاط نظام الملالي في طهران يبدأ من دمشق بدعم الثورة السورية. وقد استفاضت هذه الخطابات في الحديث عما يُكابده السوريون من معاناة وقتل وتشريد، مما يرتكبه نظام الأسد المدعوم من طهران. والمفارقة أن من بين الوفود العربية من يؤيد نظام الأسد علناً أو ضمناً، بل بلغ أحد الخطباء العرب حد الحديث بصوت شجي مليء بالحزن حول معاناة أعضاء حركة مجاهدي خلق في مخيم ليبيرتي (معسكر أشرف) في العراق، في حين لم يأت الخطيب نفسه على معاناة اللاجئين السوريين في بلاده، والتي تصنفها الأمم المتحدة كأسوأ البلدان، من حيث ظروف اللجوء، والتي ضاقت ذرعاً باللاجئين السوريين، على حد تعبير حاكمها.
وقد أشير في المؤتمر إلى أن حركة حماس في غزة إحدى أذرع إيران، فيما وقفت الحركة، منذ بداية الثورة السورية، إلى جانب خيار الشعب السوري، على الرغم من تحالفها الاستراتيجي السابق مع نظام الأسد وإيران، وقد استقبلت في غزة من ذهب إليها من لاجئين سوريين، على الرغم من ظروف الحصار الخانق.
وكان لافتاً في المؤتمر حضور ممثلين عن البرلمان الأوروبي، أبدوا دعمهم المعارضة الإيرانية، وضرورة وضع حد للتمادي الإيراني في الشرق الأوسط، بالتزامن مع زيارة وفد من البرلمان الأوروبي إلى دمشق، في خطوة لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
ولم تعكس المشاركة العربية في مؤتمر باريس للمعارضة الإيرانية إلا ضعف الموقف العربي.
عموماً في مواجهة إيران، حيث بدا العرب فيه أشبه بالغريق الذي يتعلق بأي قشة، حتى لو كانت معارضة إيرانية بلا وزن فعلي على الأرض. وما المحاولة السعودية، لإيجاد ثقل لتلك المعارضة، وإعطائها وزناً دولياً وإقليمياً، إلا انعكاس لحالة الاضطراب السعودي، وغياب الاستراتيجية الواضحة في التعاطي مع إيران، فتارة نجدها تلجأ إلى شراء دعم نظام انقلابي في مصر، يبيع المواقف لمن يدفع أكثر، بل باع حتى أرضه، فكيف يمكن الوثوق به في مواجهة إيران. ومثله مثل جميع المشاركين معها في التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية، فهم جميعاً باعوا الموقف للسعودية بيعاً. وتارةً تلجأ إلى تركيا أملاً في دعمها، واليوم تتجه نحو المعارضة الإيرانية. في حين يغيب عن الذهنية السعودية، وهي تتصدّر المشهد السياسي العربي، أن الخلاص الوحيد للعرب من مطامع محيطهم الإقليمي (إيران – تركيا – إسرائيل) هو في بلورة مشروع عربي نهضوي حقيقي، يقوم على دعم تطلعات الشعوب نحو الحرية والديمقراطية والنهضة الاقتصادية، والتحالف الاستراتيجي بين الدول العربية القائم على الأيديولوجيا القومية والمصير المشترك، وليس التحالفات الدينية والطائفية. ويحتاج مثل هذا المشروع للشعوب وللمثقفين والنخب العربية السياسية، وليس لأنظمةٍ فاقدة الشرعية، تؤجر جيوشها لمن يدفع.
فالحرّي بالسعودية أن تدعم مؤتمراً للمثقفين العرب، يشخصون فيه أزمة الأمة العربية على مختلف الأصعدة الاجتماعية والدينية والسياسية، ويخرجون منه بتصوراتٍ لحلولٍ مستدامة لها، فكيف سنقاوم مشروع إيران الأيديولوجي القائم على استثمار الحالة الطائفية، من دون أيديولوجيا مضادّة، تسحب ورقة العرب الشيعة من يد إيران. وعليه، كان من الأدعى ترجمة المديح الذي ورد على لسان الأمير تركي الفيصل في المؤتمر للشيعة العراقيين الذين حاربوا إيران في صفوف الجيش العراقي إبّان الحرب العراقية الإيرانية إلى جهد حقيقي في دعم الاتجاه القومي العربي والمعارض لولاية الفقيه في صفوف الشيعة العرب، والسعي إلى نزع فتيل الحرب الطائفية التي تسعى لها إيران في المنطقة. وهذا يتطلب مؤتمرات لتقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة، وتسوية الخلافات ووقف الحملات التحريضية الإعلامية، وتبني خطاب عروبي إعلامياً، يسمو فوق الانقسامات الطائفية بين العرب. وبعد إنجاز ذلك يتم الالتفات إلى الوضع الداخلي الإيراني، والذي يجب الدخول إليه من مدخل الأحوازيين العرب، وهم الطرف الأكثر موثوقيةً بين باقي أطراف المعارضة الإيرانية، كون “مجاهدي خلق” أو الكرد، وإن تحالفوا مصلحياً مع التوجه السعودي لزعزعة استقرار إيران، إلا أنهم على المدى البعيد سيشكلون خطراً على الدول العربية؛ كون “مجاهدي خلق”، وإن عارضوا نظام الملالي، إلا أنهم لا يعارضون دوراً إمبراطورياً لفارس، وأي انفصال كردي أو حكم ذاتي للكرد في إيران سينعكس سلباً على العراق وسورية، أما الأحواز فهي إقليم عربي يشكل سكانه العرب، وغالبيتهم من الشيعة، نموذجاً لمقاومة المشروع الإيراني، يجب أن يسلط عليه الضوء، كما يساهم هذا الإقليم الغني بموارده بأكثر من 50% من الناتج المحلي الإيراني، إلى درجة أن الرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي، قال في خطاب له “إيران تحيا بخوزستان”. لذا، من الواجب أن يتركّز الدعم العربي على قضية الأحواز، ويعاد تبنيها قضيةً عربيةً إعلامياً، وفي المحافل الدولية.
مخطئ من يعتقد بإمكانية مقاومة المشروع الإيراني، أو غيره، في المنطقة، من دون وجود مشروع عربي موحد، تلتف حوله الشعوب قبل الأنظمة العربية، فلا أميركا ولا الأتراك ولا الدول الإسلامية مستعدة لخوض معارك بالوكالة عن العرب، فلنكف عن قرع طبول الحرب للآخرين، ولنقف في المكان الصحيح كمحاربين.
أبرز تناقضات الخطابات العربية في المؤتمر وأشدها مضاضةً كان في حديثها عن أن إسقاط نظام الملالي في طهران يبدأ من دمشق بدعم الثورة السورية. وقد استفاضت هذه الخطابات في الحديث عما يُكابده السوريون من معاناة وقتل وتشريد، مما يرتكبه نظام الأسد المدعوم من طهران. والمفارقة أن من بين الوفود العربية من يؤيد نظام الأسد علناً أو ضمناً، بل بلغ أحد الخطباء العرب حد الحديث بصوت شجي مليء بالحزن حول معاناة أعضاء حركة مجاهدي خلق في مخيم ليبيرتي (معسكر أشرف) في العراق، في حين لم يأت الخطيب نفسه على معاناة اللاجئين السوريين في بلاده، والتي تصنفها الأمم المتحدة كأسوأ البلدان، من حيث ظروف اللجوء، والتي ضاقت ذرعاً باللاجئين السوريين، على حد تعبير حاكمها.
وقد أشير في المؤتمر إلى أن حركة حماس في غزة إحدى أذرع إيران، فيما وقفت الحركة، منذ بداية الثورة السورية، إلى جانب خيار الشعب السوري، على الرغم من تحالفها الاستراتيجي السابق مع نظام الأسد وإيران، وقد استقبلت في غزة من ذهب إليها من لاجئين سوريين، على الرغم من ظروف الحصار الخانق.
وكان لافتاً في المؤتمر حضور ممثلين عن البرلمان الأوروبي، أبدوا دعمهم المعارضة الإيرانية، وضرورة وضع حد للتمادي الإيراني في الشرق الأوسط، بالتزامن مع زيارة وفد من البرلمان الأوروبي إلى دمشق، في خطوة لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
ولم تعكس المشاركة العربية في مؤتمر باريس للمعارضة الإيرانية إلا ضعف الموقف العربي.
عموماً في مواجهة إيران، حيث بدا العرب فيه أشبه بالغريق الذي يتعلق بأي قشة، حتى لو كانت معارضة إيرانية بلا وزن فعلي على الأرض. وما المحاولة السعودية، لإيجاد ثقل لتلك المعارضة، وإعطائها وزناً دولياً وإقليمياً، إلا انعكاس لحالة الاضطراب السعودي، وغياب الاستراتيجية الواضحة في التعاطي مع إيران، فتارة نجدها تلجأ إلى شراء دعم نظام انقلابي في مصر، يبيع المواقف لمن يدفع أكثر، بل باع حتى أرضه، فكيف يمكن الوثوق به في مواجهة إيران. ومثله مثل جميع المشاركين معها في التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية، فهم جميعاً باعوا الموقف للسعودية بيعاً. وتارةً تلجأ إلى تركيا أملاً في دعمها، واليوم تتجه نحو المعارضة الإيرانية. في حين يغيب عن الذهنية السعودية، وهي تتصدّر المشهد السياسي العربي، أن الخلاص الوحيد للعرب من مطامع محيطهم الإقليمي (إيران – تركيا – إسرائيل) هو في بلورة مشروع عربي نهضوي حقيقي، يقوم على دعم تطلعات الشعوب نحو الحرية والديمقراطية والنهضة الاقتصادية، والتحالف الاستراتيجي بين الدول العربية القائم على الأيديولوجيا القومية والمصير المشترك، وليس التحالفات الدينية والطائفية. ويحتاج مثل هذا المشروع للشعوب وللمثقفين والنخب العربية السياسية، وليس لأنظمةٍ فاقدة الشرعية، تؤجر جيوشها لمن يدفع.
فالحرّي بالسعودية أن تدعم مؤتمراً للمثقفين العرب، يشخصون فيه أزمة الأمة العربية على مختلف الأصعدة الاجتماعية والدينية والسياسية، ويخرجون منه بتصوراتٍ لحلولٍ مستدامة لها، فكيف سنقاوم مشروع إيران الأيديولوجي القائم على استثمار الحالة الطائفية، من دون أيديولوجيا مضادّة، تسحب ورقة العرب الشيعة من يد إيران. وعليه، كان من الأدعى ترجمة المديح الذي ورد على لسان الأمير تركي الفيصل في المؤتمر للشيعة العراقيين الذين حاربوا إيران في صفوف الجيش العراقي إبّان الحرب العراقية الإيرانية إلى جهد حقيقي في دعم الاتجاه القومي العربي والمعارض لولاية الفقيه في صفوف الشيعة العرب، والسعي إلى نزع فتيل الحرب الطائفية التي تسعى لها إيران في المنطقة. وهذا يتطلب مؤتمرات لتقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة، وتسوية الخلافات ووقف الحملات التحريضية الإعلامية، وتبني خطاب عروبي إعلامياً، يسمو فوق الانقسامات الطائفية بين العرب. وبعد إنجاز ذلك يتم الالتفات إلى الوضع الداخلي الإيراني، والذي يجب الدخول إليه من مدخل الأحوازيين العرب، وهم الطرف الأكثر موثوقيةً بين باقي أطراف المعارضة الإيرانية، كون “مجاهدي خلق” أو الكرد، وإن تحالفوا مصلحياً مع التوجه السعودي لزعزعة استقرار إيران، إلا أنهم على المدى البعيد سيشكلون خطراً على الدول العربية؛ كون “مجاهدي خلق”، وإن عارضوا نظام الملالي، إلا أنهم لا يعارضون دوراً إمبراطورياً لفارس، وأي انفصال كردي أو حكم ذاتي للكرد في إيران سينعكس سلباً على العراق وسورية، أما الأحواز فهي إقليم عربي يشكل سكانه العرب، وغالبيتهم من الشيعة، نموذجاً لمقاومة المشروع الإيراني، يجب أن يسلط عليه الضوء، كما يساهم هذا الإقليم الغني بموارده بأكثر من 50% من الناتج المحلي الإيراني، إلى درجة أن الرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي، قال في خطاب له “إيران تحيا بخوزستان”. لذا، من الواجب أن يتركّز الدعم العربي على قضية الأحواز، ويعاد تبنيها قضيةً عربيةً إعلامياً، وفي المحافل الدولية.
مخطئ من يعتقد بإمكانية مقاومة المشروع الإيراني، أو غيره، في المنطقة، من دون وجود مشروع عربي موحد، تلتف حوله الشعوب قبل الأنظمة العربية، فلا أميركا ولا الأتراك ولا الدول الإسلامية مستعدة لخوض معارك بالوكالة عن العرب، فلنكف عن قرع طبول الحرب للآخرين، ولنقف في المكان الصحيح كمحاربين.
العربي الجديد_سقراط العلو