وليد المصلح-بغداد
في بلاد هي أول من عرفت الكتابة قبل آلاف السنين على يد السومريين، ووضعت نظم العدالة وحقوق الإنسان، وخلفت إرثا معرفيا وثقافيا غير قابل للاندثار، غير أنها تطالعك اليوم بوجه آخر مختلف، تتفاقم فيه الأمية وتزداد لتصل إلى نسبة مرعبة.
وفق تعريف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) الأمي هو الذي لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب جملة بسيطة عن حياته اليومية.
كان العراق مطلع ثمانينيات القرن الماضي يمتلك منظومة تعليمية متطورة تتفوق على قريناتها في دول المنطقة بشهادةاليونسكو، إلا أن المنظمة نفسها عادت لتصنفه من ضمن البلدان التي تعاني صعودا كبيرا في نسب الأمية يتجاوز 47% (للأعمار بين ستة و55 عاما).
وفي محاولة منها للحد من الظاهرة، عمدت الحكومة عام 2011 لإصدار قانون محو الأمية برقم 23، وعلى الإثر قامت بتشكيل هيئة لمحو الأمية تابعة لوزارة التربية تضم ممثلين عن تسع وزارت بالإضافة إلى دواوين الأوقاف ونقابة المعلمين والمجتمع المدني.
وتعنى الهيئة بوضع الأهداف العامة لمحو الأمية وميزانية التنفيذ وإقرار المناهج والكتب ومواعيد الدراسة وضوابط اختيار المعلمين.
وكباقي القوانين التي شُرعت عقب غزو العراق عام 2003 ثم زويت في أروقة النسيان، فلا يوجد ما يلزم على إكمال التعليم ويجرم من لا يلتزم، ليبقي ذلك القانون مدادا على ورق بينما الأمية تزحف وتتمدد في بيئة باتت لا تتحرج كثيرا من غير المتعلمين.
يونيسيف تجهز الطلبة النازحين (الجزيرة) |
إحصاءات
مراكز محو الأمية التي تؤوي إليها من لم تتح لهم الحياة فرص التعلم في عموم البلاد بلغت 5699 مركزا لعام 2012-2013، لكنها أخذت بالتراجع والانحسار لتنخفض إلى 842 عام 2017-2018 وفق إحصائية الجهاز التنفيذي لمحو الأمية.
مديرة مركز ذي قار النسوي لمحو الأمية في العاصمة بغداد وفاء مرعي (52 عاما) عزت ضعف الالتحاق بمراكز محو الأمية وتسرب نسبة كبيرة ممن كانوا فيها إلى إيقاف صرف الحوافز للدارسين والمعلمين (40 ألف دينار عراقي شهريا) التي كان معمولا بها قبل عام 2014، وأكدت للجزيرة نت أن “ضعف الوضع المادي للدارسات وعدم موافقة الزوج او الانخراط في أعمال لكسب العيش أدت إلى ضعف نسبة الإقبال على الدراسة”.
انتشار الأمية
السواد الأعظم للأمية يتركز في المناطق الريفية النائية وهوامش المدن والمحافظات المحررة من قبضة تنظيم الدولة بوجه خاص للأعمار ما بين التاسعة وأربعين عاما حيث التحاق الذكور أكبر على حساب الإناث اللواتي تكتفي عوائلهن بزج البعض منهن في الدراسة الابتدائية فقط.
مع ذلك توجد أعداد لا بأس بها من الفتيات داخل المدن والمناطق الحضرية يعانين معارضة الأهل أو الزوج في إكمال التعليم.
وحتى أولئك الذين تجاوزوا التعليم الابتدائي، كثير منهم لا يجيدون القراءة والكتابة مما يجعلهم ضحية للرسوب المتكرر وترك الدراسة آخر المطاف.
أسباب استفحالها
مدير عام الجهاز التنفيذي لمحو الأمية محمد جواد الموسوي (58 عاما) أماط اللثام عن أسباب شتى وراء تنامي ظاهرة الأمية واشتداد عضدها، وأوضح للجزيرة نت أن الحروب وتهالك البنى التحتية وتدني الوضع الاقتصادي لدى الكثير من العوائل ألقى بظلاله على تدهور التعليم وتفشي الأمية والجهل في أوساط المجتمع.
وثمة عوامل أخرى يراها خبير التدريب التربوي شاكر عبد الكريم (65 عاما) تتعلق بالفساد المتغول في مؤسسات الدولة، وهشاشة الدور الرقابي والتربوي مما خلف جيوشا من الأميين يغض الطرف عنهم فلا يذكرون إلا في الإحصاءات الرسمية وعناوين الصحف.
وأضاف عبد الكريم للجزيرة نت إلى العوائق السابقة المحاصصة والتحزب ضمن مؤسسات التعليم والنقص الحاد في المدارس وفي الريف وأطراف المدن وضعف الرقابة وعدم تطبيق إلزامية التعليم.
وتحدث عن عدم استيعاب الخريجين في الوظائف الحكومية، إلى جانب موجات الهجرة والنزوح مما “عكس واقعا مؤلما لما آل إليه التعليم وضاعف من أعداد العازفين عنه”.
مسؤول قسم الإعلام في مكتب اليونسكو-العراق ضياء صبحي في حديثه للجزيرة نت أعرب عن أسفه لعدم وجود دعم لمحو الأمية في الوقت الحالي بالقول “للأسف لا توجد لدينا معلومات محدثة عن محو الأمية في العراق وليس لدينا أي منح من الدول المانحة لدعم هذا القطاع”.
ومما ورد بالميثاق التأسيسي لليونسكو أنه “لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام”. فلأجل تطوير بيئة سلمية غير عنيفة يتوجب على كل طفل أن يكون قادرا على الوصول إلى التعليم الجيد في العراق.
ويتحقق هذا من خلال محاربة الأمية والدفع باتجاه شباب متعلم تعليما عاليا مما سيبني لاحقا قوة عاملة منافسة وماهرة، ويساعد على معالجة ومواجهة التحديات التي تواجه أمن الإنسان.
المصدر : الجزيرة