توالت سياسة التهميش والتضليل والتعتيم التي تمارسها هيئات الأمم المتحدة تجاه الشعوب العربية، وقد بلغت مؤخرا الذروة، ووصلت إلى نقطة أفاضت الكأس العربي الممتلئ بالأساس عبر السنين.
كما أن مهرجان الاستفزازت الأممية تفرض مشاركة الجانب العربي ليس كمتسابق يتمتع بكامل حقوقه بالمنافسة وإنما كضحية !! وللحديث عن ممارسات الأمم المتحدة وأذرعها الشيطانية فالنقاش يمتد عبر التاريخ ومنذ تأسيس تلك المنظمة الأممية.
وأن أخر فعاليات المهرجان المشين والتي أججت سعير الحرب الأزلية بين النسيج العربي والنسيج الغربي (مع غياب المدافعبن عن الجسد العربي المستباح)، هو قرار أحد هيأتها المسمى ( الإسكوا) اللجنة الأقتصادية والاجتماعية لغربي أسيا.
حيث أصدرت اللجنة ( الإسكوا ) يوم الأربعاء الموافق 15 مارس(أذار) 2017 تقريرا أكدت فيه أن إسرائيل ماضية في فرض نظام فصل عنصري ‘أبارتهايد’ ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، كما يعبر التقرير وبشكل موضوعي عن حقيقة سياسات إسرائيل القائمة على الاحتلال والاضطهاد والاستيطان والفصل العنصري المطبق بحق الشعب الفلسطيني.
وضمن ذات السياق يجدر الإشارة هنا بأن الأمم المتحدة قد تجاوزت كافة الخطوط الحمراء، وغادرت سياسة الغموض تجاه الشعوب العربية، كما أن الإشاعة حول ازدواجية المعايير تجاه الشعوب العربية قد لبست ثوب الحقيقة.
وتوازيا مع المشهد المخزي فلقد رضخ الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوترتيش) للضغوط الاسرائيلية والتهديدات الابتزازية الوقحة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف المساعدات الأمريكية عن المنظمة الأممية، مما دفع الأخير إلى طلب سحب التقرير المقدم من لجنة الإسكوا ، والذي يفضح بشكل لاجدال فيه سياسة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وعلى غير العادة فقد جاء الرد العربي رغم عدم فعاليته مدويا هذه المرة، حيث استقالت ريما خلف من منصب الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والأجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) على خلفية سحب تقرير دولي يتهم إسرائيل بممارسة اضطهاد للشعب الفلسطيني .
التقرير قد تم سحبه على أية حال بسبب انعدام الضوابط الأخلاقية ضمن هيئات الأمم المتحدة، ولكن خروج فارسة عربية من حظائر العبيد الممتدة على طول الخريطة العربية ينعش آمال تلك الشعوب بنهضة ما أو صحوة عربية وإن جاءت متأخرة قد تقلب الواقع المرير رأسا على عقب.
إلى هنا يبدو المشهد طبيعيا، وقد تم التطرق إليه عبر بعض المحطات العربية. وموضوع مقالتي اليوم ليس عن هذا الموضوع بالذات، ولكن وجب التنبيه بأن ريما خلف والاستقالة الاستشهادية في سبيل حفظ ماء وجه العرب، وجهت رسالة تحذيرية عن إمكانية العودة العربية إلى المنصات الدولية وبعد غياب طال انتظاره .
بالمنظور الفلسفي فإن المرأة تشكل نصف المجتمع، وريما خلف تغير قواعد المعادلة لتصبح المرأة كل المجتمع، تماشيا مع غياب الأصوات الذكورية العربية المطالبة بسحب الجسد العربي من تحت نعال الظلاميين.
الأسئلة المطروحة ضمن بساط البحث …
من يشرعن التصرفات العدائية ضد العرب ؟؟
وإلى متى تستمر الضحية بمغازلة الجلاد ؟؟
ومن خلال نافذة الواقع الهش، وعبر سلسلة القرارات الجائرة بحق الشعوب العربية، يهمنا أن نعرف بأن منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وجميع المنصات الدولية والتي ترفع شعارات تخالف نهج ممارساتها، تفضح دور الدول الكبرى بإحكام السيطرة على مجريات الأحداث وتضييق الخناق على الشعوب العربية، كما يجب علينا كشف الأقنعة عن وجوه بعض الساسة العرب المنبطحين في ممرات وسردايب الدول الاستعمارية.
وضمن سجلات العمالة والخيانة والأسماء تطول في هذه القائمة، يتصدر المرتبة الأولى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فالانطباع المحفور في ذاكرة الأجبال العربية عن مشاركة عباس في مراسم تشييع بيريز ( أحد مرتكبي المجازر الإسرائيلية ) ومصافحته نتياهو لم يمح بعد من الذاكرة.
وفي هذه الأثناء تحتفي الصحف العربية ووسائل إعلام فلسطينية بخبر زيارة رئيس السلطة الفلسطينية إلى واشنطن في الشهر المقبل، بعد أسبوع من محادثته الهاتفية مع ترامب. حيث الضحية تتبجح بزيارة جلادها !!!!
وكان ترامب قد استضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر فبراير/ شباط الماضي، وكانت الزيارة على وقع قضايا عالقة وملفات شائكة ومواضيع أمنية وسياسية، حيث يقول موفد صحيفة ‘هآرتس’ إلى واشنطن، باراك رافيد، ‘ أن نتياهو يبحث عن صورة انتصار، وإلى الآن يسعى البيت الأبيض جاهدا لمساعدة رئيس الحكومة الإسرائيلية لتحقيق هذا الهدف’، إذ تم أستضافة نتنياهو خلال الزيارة في فندق رسمي لأستقبال كبار الضيوف التي أوصدت أبوابه بوجه نتنياهو خلال ولاية أوباما.
وتماشيا مع الموقف الأمريكي مع الابنة المدللة (إسرائيل ) فلقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية الإثنين 20 مارس عن معارضتها إدراج بند عن أوضاع حقوق الإنسان في فلسطين وأراضي عربية محتلة أخرى على جدول أعمال أجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة،وأضافت عبر بيان لها أن إدراج هذا البند “يظهر انحياز مجلس حقوق الإنسان ضد إسرائيل !! وفي هذا الصدد، هدد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بانسحاب بلاده من مجلس حقوق الإنسان إذا لم تلتزم بطلب سحب البند.
وهنا أيضا يبرز لنا كيفية سقوط الضحية في أحضان الجلاد بعد شرعنة الأعمال العدائية والتهديد والوعيد تجاه قرارات عادلة من شأنها أن تعيد الحق إلى نصابه ، عبر حالة الفرح الهستيرية التي أصابت بعض الأوساط الفلسطنية لزيارة عباس المرتقبة إلى واشنطن !!!!
عربة التاريخ لاتسير ضمن نفس الأزقة ولكنها تنعطف لأجل زيارة بعض الأماكن !!
أما بالنسبة للقضايا العربية وكما أن للانتكاسات العربية رجالاتها و محمود عباس على رأس القائمة ، فأن للأمجاد العربية نسائها وهنا الحديث عن ريما خلف الفارسة الأردنية .
ومايثير القلق ويلقي الضوء على حقيقة الأختلاف بين توجه الأنظمة العربية وتطلعات جماهيرها ، هو أستمرارية الأعلام العربية المسيس بالتلاعب على الأحداث والتواريخ لقلب الحقائق وفبركة الوقائع ، حيث الجلاد يعتلي عرش العدالة ويناظر (بالإنسانية )، والضحية تفاوض جلادها بكل وقاحة.
وهذا التزامن بين دور الجلاد والضحية يثبت دور بعض القادة العرب بدفع المشهد العربي نحو الهاوية ، كما يعطي صورة متشائمة عن المستقبل العربي .
ويجدر التوقف مطولا عند خبر استقالة ريما خلف، فقد أحيا هذا الخبر مامات منا بعد سلسلة الغارات الأممية التي تواظب القصف والتعنيف والتنكيل في أرواحنا الصدئة ، كما ينبغي علينا الحراك ضد جمود الأنظمة العربية المتخاذلة .
ولعل من المفيد ومن أجل كشف الحقائق ذكر أسباب ارتباط أدق تفاصيل حياتنا
وقرارات حكوماتنا الخنفشارية بالمتغيرات الدولية، حيث تتوجه عدسات الإعلام العربي في الوقت الراهن وتحبس الأنفاس بأنتظار نتائج الانتخابات الفرنسية في الشهر المقبل. وإن استمر الحال على ماهو عليه فسوف يتم ربط علاقاتنا الزوجية وتاريخ صرف المعاشات بنتائج انتخابات جزر القمر!!
والأسباب حول تلك الحقيقة كثيرة نذكر منها على سبيل الطرح وليس الحصر…
الأعلام الأمريكية والروسية ترفرف على الأراضي السورية، لبنان أصبح لبنانين كما هو حال السودان واليمن، العراق يلقي بضحاياه في الطرقات بعد اكتظاظ المقابر، أذان الفجر يمنع في القدس، الأعلام العربي يغرد خارج السرب ويتحدث عن دورة حياة الجراد في كوكب الزهرة !!!
إلى متى تستمر أوضاع الأمة العربية بالانحطاط ؟؟، وهل تنجب الأرحام العربية نساء يعيدون أمجاد الماضي على غرار ريما خلف ؟؟، متى يستوعب النشء العربي حقيقة مايحاك له خلف الكواليس ؟؟، أسئلة جوهرية ترسل إلى صناديق بريد الجماهير العربية المراقبة من قبل أجهزة الأمن.
بقلم الكاتب محمد فخري جلبي