لذلك حذرت السلطات الثقافية في الصين من احتمال انهيار أبراج من السور نتيجة عمليات التدمير والهدم التي يقوم بها متهورون -على حد وصفها- ونتيجة العوامل البيئية التي أدت إلى تآكل أجزاء كبيرة منه خلال الخمس سنوات الأخيرة.
وتعهدت السلطات الثقافية باتخاذ إجراءات صارمة ضد من يثبت تورطهم في إلحاق أضرار به، تصل إلى حد الملاحقة الجنائية والسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات بتهمة العبث بالتراث الوطني.
مشاهدة حية
في الطريق إلى الأجزاء التي لا تطل عليها نافذة الصور التذكارية، بدا السور كتنين ممدد خرّت قواه فقُطّعت أطرافه وتناثرت عظامه كشواهد في مقبرة.. صورة تثير الشفقة أمام انحسار عظمة السور بعمره الزمني لا بتماسكه ومتانته التي بني من أجلها، وكأن تلك الصورة النمطية التي طبعت في الذاكرة ليست سوى صورة افتراضية لرواية خيالية، فما إن استيقظت العين على تلك الجبال الشاهقة حتى توارى السور كأنه أثر بعد عين.
وعند الاقتراب أكثر من نهاية سلسلة أحجار متناثرة، تتراءى لنا قرية صغيرة سكانها من الفلاحين البسطاء، تلبس جدران منازلهم تهمة جاهزة كفيلة بإيداعهم السجن لو كان الزائر شرطيا، لكن مثل هذا التساؤل لا يثير خوفهم لكونه مطلبا شعبيا في القرية المنسية التي تحتاج إلى التفاتة من الدولة، حسب سكانها الذين يفتقرون إلى أبسط الحقوق والمقومات الأساسية كإمدادات الماء والكهرباء.
منسيون
جيانغ بو فلاح صيني من قرية “دونغ فنغ” المحاذية للسور من الجهة المطلة على مقاطعة “خي بي” شمالي الصين، لم يكن يملك تكاليف بناء منزله قبل عشرين عاما، فاضطر لاستخدام لبنات من سور الصين، حيث لم تكن السلطات الصينية آنذاك قد أصدرت لوائح تمنع ذلك.
ويؤكد جيانغ بو للجزيرة أن معظم أهالي القرية استخدموا لبنات من السور في بناء منازلهم.
وعند سؤاله هل لذلك علاقة باعتقاد البعض أن وضع حجارة السور في البناء يجلب السعادة والعمر المديد، قال إن “مأساة سكان القرية ومعاناتهم أكبر من هذا الاعتقاد”، مضيفا أنهم يفتقرون إلى أبسط المقومات والمتطلبات الأساسية مثل الماء والكهرباء.
وحين الحديث معه عن القانون الجديد الذي يجرّم كل من يستخدم أو ينقل أحجارا من السور، علق قائلا “آمل أن تزور السلطات الصينية قريتنا لهذا السبب، علنا نستطيع أن نوصل صوتنا إليهم”.
أما شيانغ يي وهو مزارع في القرية وبيته الصغير يطل على “كسارة صخور”، فقال إن الكسارة تابعة لشركة حكومية.
وقد كانت هذه الكسارة تقتطع أجزاء كبيرة من سور الصين العظيم عبر عمليات التفجير بالديناميت والتكسير اليومي، بغرض استخدام الأحجار في أعمال البناء خارج المناطق المحيطة بالسور.
ويضيف شيانغ أن “هذه الكسارات أشد خطرا على السور من امتداد سواعد مواطنين بسطاء إليه بحثا عن أحجار تستر بيوتهم”.
استحالة الرقابة
يقول رئيس جمعية سور الصين العظيم دونغ ياو خوي إنه لا يمكن إحاطة السور بسياج أو وضعه داخل المتحف للحفاظ عليه، فهو يمتد لمسافة تزيد على ستة آلاف كيلومتر.
ويضيف للجزيرة “لذلك فإن أجزاء كبيرة منه تبقى معرضة للدمار، سواء لأسباب طبيعية أو بأيدي البشر”.
ويتابع “نأمل أن تضع القوانين الحكومية الجديدة حدا للانتهاكات التي يمارسها بعض المواطنين بغرض البناء أو المتاجرة بأحجار السور التي يتم بيعها للسياح الأجانب بمبالغ كبيرة”.
يشار إلى أن أجزاء من سور الصين تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، رغم أن معظمه بني أثناء أسرة حكم مينغ بين عامي 1368 و1644، وأن أقل من عُشره لا يزال محفوظا بطريقة جيدة.