وصلت الأزمة السورية إلى عامها الخامس، ولازالت تتجاذبها عدة مشاريع بين من يريد الحفاظ على النظام السوري، وبين مشاريع أخرى تريد تغيير النظام، وكل مشروع من هذه المشاريع يمثله لاعب رئيسي على الساحة السورية
اقليمياً
إذ أن تركيا تريد إسقاط نظام بشار الاسد، لذلك هي تقوم بدعم المعارضة والجماعات المسلحة التي تعمل على الارض، وتستقبلهم على أراضيها وتوفر لهم الدعم الكافي، وهذا ليس حباً في المعارضة، وإنما لأن عمقها الاستراتيجي للشرق الاوسط هو من خلال سوريا، خاصة أن سوريا تعد حليفا استراتيجيا لإيران، التي تعد الموازن الاستراتيجي الأبرز لتركيا في السيطرة على المنطقة، فضلاً عن أن هناك تنافسا واضحا، وصراعا خفيا بين تركيا وحلفائها من جهة، وايران وحلفائها من جهة أخرى، وبالتالي فإن هذا يعتمد على ما يمكن أن نطلق عليه (الازاحات الاستراتيجية)، اي كل فاعل يحاول إزاحة الفاعل الآخر من إحدى ساحات الصراع، من أجل ملء الفراغ الذي سيخلفه تخلي الفاعل الآخر.
أما مشروع المحافظة على النظام فتمثله إيران، لكن ليس حبا فيه، ولكن لأنه يمثل حليفا استراتيجيا وامتدادا لمشروعها في الهيمنة على المنطقة. فمعروف أنها أيدت أو تظاهرت بأنها تؤيد ما يعرف بـ”الربيع العربي” في المنطقة العربية، بدءا من تونس ومرورا بمصر واليمن وصولا إلى البحرين، لكن الوضع اختلف عندما أتى التغيير إلى سوريا، إذ يدرك النظام الايراني جيدا أنه اذا سقط النظام السوري فهذا يعني انه القادم، إذ أن التحدي الذي يواجهه النظام السوري بتغييره يمثل تحديا خطيرا أمام سياسة ايران التوسعية الاقليمية، لذلك نرى أن ايران تبذل ما بوسعها من اجل اجهاض التغيير في سوريا، فهي تدعم النظام بالمقاتلين، فضلا عن الدعم اللوجستي، وقد نقل عن مسؤولين في البيت الابيض أن ايران تعهدت بدفع معونة مالية عاجلة قدرها 5.8 مليار دولار لنظام بشار الاسد، فسقوط النظام السوري متمثلا في بشار الاسد يعد تقطيعا لأوصال ايران الاقليمية في المنطقة.
النظام السوري حليف استراتيجي لإيران، كذلك النظام العراقي، فضلا عن “حزب الله” في لبنان، فسوريا تعد جسرا استراتيجيا بالنسبة لمشروع ايران الاقليمي، يربط طهران بحلفائها في المنطقة بما في ذلك بعض الجماعات التي التقت مصلحتها مع إيران في فلسطين متمثلة بحركة “الجهاد الاسلامي”، وعليه فأن أي تغيير في سوريا سينعكس على الداخل الايراني وبالتالي على مشروع ايران الاقليمي.
ومعروف انه خلال الحرب العراقية ـ الايرانية، كل الدول العربية وقفت إلى جانب العراق كونه حامي البوابة الشرقية للوطن العربي، في حين أن سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب ايران في الحرب، حتى أن الطائرات الايرانية كانت تقصف الاهداف العراقية، ثم تذهب إلى المطارات السورية للتزود بالوقود، ثم تعود ثانية لتقصف الاهداف العراقية. هذا التحالف الاستراتيجي بين ايران وسوريا تم تجديده سنة 2005 في اطار التغييرات التي جرت في المنطقة، بعد الحرب على العراق، واعادة حسابات ايران في التعامل مع المتغيرات الجديدة.
دولياً
فيما يخص روسيا الاتحادية، فهي الاخرى تريد الابقاء على نظام بشار الاسد لأن سوريا هي المنفذ الوحيد لها وعمقها الاستراتيجي الرئيسي للتدخل في الشرق الاوسط وللوصول للمياه الدافئة (العقدة التاريخية) لها، فضلاً عن وجود القاعدة الروسية الوحيدة في المنطقة في سوريا وتحديداً في مدينة طرطوس، كما أن سوريا تقع مقابل روسيا من الناحية الجغرافية على البحر، اي انها تعد ضمن الامن القومي الروسي، خاصة إذا علمنا أن الولايات المتحدة الامريكية تنوي استكمال مشروع الدرع الصاروخية (المؤجل) مؤقتاً بسبب تغييرات البيئة الاقليمية والدولية، أحد المواقع الاستراتيجية التي تنوي وضع قواعد لهذا المشروع هي سوريا، فضلاً عن تركيا واستونيا ولتوانيا، لذلك فإن الولايات المتحدة الامريكية تدفع باتجاه اسقاط بشار الاسد من اجل وضع اللمسات الاخيرة لهذا المشروع، بعد أن اكتمل في المواقع الاخرى، وبذلك يتم تطويق روسيا الاتحادية بالكامل.
من هنا فإن سوريا اصبحت في الاستراتيجية الروسية تقع ضمن الامن القومي الروسي، لأن مستقبل سوريا من دون بشار الاسد يعني تعرض الامن القومي الروسي لانتحار استراتيجي، لهذا السبب نرى كيف أن روسيا الاتحادية اقحمت نفسها بشكل كبير جداً في الازمة السورية لأنها تعي جيداً تبعات احتمال سوريا خالية من بشار الاسد.
الولايات المتحدة الامريكية من جهتها تريد استكمال اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط، وفق اسس طائفية وعرقية، اي محاولة لتغيير حدود سايكس بيكو التي ارست قواعدها بريطانيا العظمى سنة 1916. لذلك نرى أن الولايات المتحدة تدفع باتجاه اغراق المنطقة بحروب طائفية وعرقية بين مجتمعات الشرق الاوسط بهدف تفكيكها واعادة تشكيلها من جديد، واحد سياسات هذا المشروع هو آلية الفوضى الخلاقة التي اعتمدتها في المنطقة وتحديداً في العراق منذ سنة 2005، وحاولت نقلها إلى دول المنطقة، وهذا ما صرحت به كونداليزارايس مهددة من لا يقف إلى جانب الولايات المتحدة في مشروعها بقولها، “إن ما يحدث للعراق يمكن أن ينتقل إلى دول الجوار، اذا لم تقم بدورها”، وهذا ما حدث فعلاً لبقية الدول العربية، خاصة بعد التغييرات التي مرت به المنطقة العربية فيما عرف بالربيع العربي.
لذلك فإن الولايات المتحدة ـ خشية على مصالحها في المنطقة ـ تعاملت مع النظام السوري تدريجيا.. بدأت بالمطالبة بالإصلاحات، ومن ثم المطالبة من بشار الاسد بالتنحي وصولا إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية، لكنها وصلت اخيرا إلى الضغوط عن طريق المنظمات الدولية والاقليمية، فقامت بتحريك جامعة الدول العربية للضغط على النظام السوري من خلال المبادرات التي قدمتها إلى سوريا، وكذلك عن طريق منظمة الامم المتحدة من خلال بعثة المراقبين الدوليين التي يترأسها الامين العام الاسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، التي تقوم بمراقبة الوضع في سوريا، والتي في حقيقتها تقوم بدور الوكيل للولايات المتحدة من اجل الضغط على النظام السوري، لإضفاء الشرعية على التدخل في سوريا وكذلك إشعار روسيا الاتحادية وايران بأن هذا التدخل انما هو تدخل من المجتمع الدولي متمثل بالأمم المتحدة وليس تدخلا امريكيا لضمان عدم تعريض ايران وروسيا الاتحادية لمصالح امريكا في المنطقة للخطر.
اقليمياً
إذ أن تركيا تريد إسقاط نظام بشار الاسد، لذلك هي تقوم بدعم المعارضة والجماعات المسلحة التي تعمل على الارض، وتستقبلهم على أراضيها وتوفر لهم الدعم الكافي، وهذا ليس حباً في المعارضة، وإنما لأن عمقها الاستراتيجي للشرق الاوسط هو من خلال سوريا، خاصة أن سوريا تعد حليفا استراتيجيا لإيران، التي تعد الموازن الاستراتيجي الأبرز لتركيا في السيطرة على المنطقة، فضلاً عن أن هناك تنافسا واضحا، وصراعا خفيا بين تركيا وحلفائها من جهة، وايران وحلفائها من جهة أخرى، وبالتالي فإن هذا يعتمد على ما يمكن أن نطلق عليه (الازاحات الاستراتيجية)، اي كل فاعل يحاول إزاحة الفاعل الآخر من إحدى ساحات الصراع، من أجل ملء الفراغ الذي سيخلفه تخلي الفاعل الآخر.
أما مشروع المحافظة على النظام فتمثله إيران، لكن ليس حبا فيه، ولكن لأنه يمثل حليفا استراتيجيا وامتدادا لمشروعها في الهيمنة على المنطقة. فمعروف أنها أيدت أو تظاهرت بأنها تؤيد ما يعرف بـ”الربيع العربي” في المنطقة العربية، بدءا من تونس ومرورا بمصر واليمن وصولا إلى البحرين، لكن الوضع اختلف عندما أتى التغيير إلى سوريا، إذ يدرك النظام الايراني جيدا أنه اذا سقط النظام السوري فهذا يعني انه القادم، إذ أن التحدي الذي يواجهه النظام السوري بتغييره يمثل تحديا خطيرا أمام سياسة ايران التوسعية الاقليمية، لذلك نرى أن ايران تبذل ما بوسعها من اجل اجهاض التغيير في سوريا، فهي تدعم النظام بالمقاتلين، فضلا عن الدعم اللوجستي، وقد نقل عن مسؤولين في البيت الابيض أن ايران تعهدت بدفع معونة مالية عاجلة قدرها 5.8 مليار دولار لنظام بشار الاسد، فسقوط النظام السوري متمثلا في بشار الاسد يعد تقطيعا لأوصال ايران الاقليمية في المنطقة.
النظام السوري حليف استراتيجي لإيران، كذلك النظام العراقي، فضلا عن “حزب الله” في لبنان، فسوريا تعد جسرا استراتيجيا بالنسبة لمشروع ايران الاقليمي، يربط طهران بحلفائها في المنطقة بما في ذلك بعض الجماعات التي التقت مصلحتها مع إيران في فلسطين متمثلة بحركة “الجهاد الاسلامي”، وعليه فأن أي تغيير في سوريا سينعكس على الداخل الايراني وبالتالي على مشروع ايران الاقليمي.
ومعروف انه خلال الحرب العراقية ـ الايرانية، كل الدول العربية وقفت إلى جانب العراق كونه حامي البوابة الشرقية للوطن العربي، في حين أن سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب ايران في الحرب، حتى أن الطائرات الايرانية كانت تقصف الاهداف العراقية، ثم تذهب إلى المطارات السورية للتزود بالوقود، ثم تعود ثانية لتقصف الاهداف العراقية. هذا التحالف الاستراتيجي بين ايران وسوريا تم تجديده سنة 2005 في اطار التغييرات التي جرت في المنطقة، بعد الحرب على العراق، واعادة حسابات ايران في التعامل مع المتغيرات الجديدة.
دولياً
فيما يخص روسيا الاتحادية، فهي الاخرى تريد الابقاء على نظام بشار الاسد لأن سوريا هي المنفذ الوحيد لها وعمقها الاستراتيجي الرئيسي للتدخل في الشرق الاوسط وللوصول للمياه الدافئة (العقدة التاريخية) لها، فضلاً عن وجود القاعدة الروسية الوحيدة في المنطقة في سوريا وتحديداً في مدينة طرطوس، كما أن سوريا تقع مقابل روسيا من الناحية الجغرافية على البحر، اي انها تعد ضمن الامن القومي الروسي، خاصة إذا علمنا أن الولايات المتحدة الامريكية تنوي استكمال مشروع الدرع الصاروخية (المؤجل) مؤقتاً بسبب تغييرات البيئة الاقليمية والدولية، أحد المواقع الاستراتيجية التي تنوي وضع قواعد لهذا المشروع هي سوريا، فضلاً عن تركيا واستونيا ولتوانيا، لذلك فإن الولايات المتحدة الامريكية تدفع باتجاه اسقاط بشار الاسد من اجل وضع اللمسات الاخيرة لهذا المشروع، بعد أن اكتمل في المواقع الاخرى، وبذلك يتم تطويق روسيا الاتحادية بالكامل.
من هنا فإن سوريا اصبحت في الاستراتيجية الروسية تقع ضمن الامن القومي الروسي، لأن مستقبل سوريا من دون بشار الاسد يعني تعرض الامن القومي الروسي لانتحار استراتيجي، لهذا السبب نرى كيف أن روسيا الاتحادية اقحمت نفسها بشكل كبير جداً في الازمة السورية لأنها تعي جيداً تبعات احتمال سوريا خالية من بشار الاسد.
الولايات المتحدة الامريكية من جهتها تريد استكمال اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط، وفق اسس طائفية وعرقية، اي محاولة لتغيير حدود سايكس بيكو التي ارست قواعدها بريطانيا العظمى سنة 1916. لذلك نرى أن الولايات المتحدة تدفع باتجاه اغراق المنطقة بحروب طائفية وعرقية بين مجتمعات الشرق الاوسط بهدف تفكيكها واعادة تشكيلها من جديد، واحد سياسات هذا المشروع هو آلية الفوضى الخلاقة التي اعتمدتها في المنطقة وتحديداً في العراق منذ سنة 2005، وحاولت نقلها إلى دول المنطقة، وهذا ما صرحت به كونداليزارايس مهددة من لا يقف إلى جانب الولايات المتحدة في مشروعها بقولها، “إن ما يحدث للعراق يمكن أن ينتقل إلى دول الجوار، اذا لم تقم بدورها”، وهذا ما حدث فعلاً لبقية الدول العربية، خاصة بعد التغييرات التي مرت به المنطقة العربية فيما عرف بالربيع العربي.
لذلك فإن الولايات المتحدة ـ خشية على مصالحها في المنطقة ـ تعاملت مع النظام السوري تدريجيا.. بدأت بالمطالبة بالإصلاحات، ومن ثم المطالبة من بشار الاسد بالتنحي وصولا إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية، لكنها وصلت اخيرا إلى الضغوط عن طريق المنظمات الدولية والاقليمية، فقامت بتحريك جامعة الدول العربية للضغط على النظام السوري من خلال المبادرات التي قدمتها إلى سوريا، وكذلك عن طريق منظمة الامم المتحدة من خلال بعثة المراقبين الدوليين التي يترأسها الامين العام الاسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، التي تقوم بمراقبة الوضع في سوريا، والتي في حقيقتها تقوم بدور الوكيل للولايات المتحدة من اجل الضغط على النظام السوري، لإضفاء الشرعية على التدخل في سوريا وكذلك إشعار روسيا الاتحادية وايران بأن هذا التدخل انما هو تدخل من المجتمع الدولي متمثل بالأمم المتحدة وليس تدخلا امريكيا لضمان عدم تعريض ايران وروسيا الاتحادية لمصالح امريكا في المنطقة للخطر.
مهند حميد الراوي – القدس العربي