اتفاق ايراني امريكي
شهد العالم الاسبوع المنصرم ترويج اعلامي منظم لتسويق الاتفاق النووي الايراني الغربي الذي يؤجل وصول ايران للعتبة النووية لمدة عام , وقد اعتبره الرئيس الامريكي اوباما انتصارا للسياسة الخارجية الامريكية , وبنفس الوقت اعتبرته ايران انتصار كبيرا حيث الاعتراف المؤجل بها كدولة نووية والانفتاح المتوقع من الغرب والولايات المتحدة الامريكية على الاستثمارات والتبادل التجاري , ورفع العقوبات وفق حزمة الحوافز التي منحتها محادثات 5+1 الاخيرة , وعند النظر لسياسة الغرب والولايات المتحدة الامريكية تجاه ايران نجدها انها تمثل تحالف غير معلن يدور في فلكه حزمة خطابات عدائية متبادلة, ويصفها الخبراء انها للاستهلاك الداخلي , اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار التقاطع الواضح في لبنان وسوريا والعراق واليمن مؤخرا , وكما يبدوا ان اوباما حسم خياره في اعلان التحالف القديم الجديد مع ايران من خلال صفقة النووي والدور الاقليمي وتجلى بشكل واضح من خلال المسرح العسكري المشترك بين الطرفين في تقديم الخدمات الحربية والتسهيلات العسكرية للمليشيات والقوات الخاصة التي تديرها ايران على ارض العراق, لمحاربة داعش المثيرة للجدل في صعودها المفاجئ لتكون العدو المشترك المنتظر الذي يصفر ازمات المنطقة المزمنة والمتعلقة بالنفوذ والتمدد والتوغل الاقليمي الى مشاركة مبارك بها دوليا تتخطى القانون الدولي المعني بالنزاعات والحروب.
اتفاق تركي ايراني
ينظر البعض بشكل عاطفي الى اللوحة السياسية وإطارها الاقليمي , وينطلق في تحليل الاحداث بعقلية عاطفية ممزوجة بالعقيدة , وتلك من المحظورات في ابجديات التحليل السياسي , وكثيرا ما يذهب البعض خلف سراب سياسي يتأمل توازن قوى وتدخل من هذا الطرف الاقليمي وذاك , دون الاخذ بنظر الاعتبار ان السياسة والعاطفة لا تلتقيان في أي نقطة , والبعض كان يعول على توازن تركي ايراني دون النظر الى الخلفية التاريخية المعاصرة ما بعد 2003 وكيف كانت كافة الاطراف تتفاهم وتتوافق على تقطيع الكعكة العراقية ومن بعدها الكعكة العربية , وقد حسم الرئيس التركي التكهنات والأحلام من خلال التوقيع على ثماني اتفاقيات ترفع حجم التبادل التجاري من 17 مليار الى 30 مليار بين البلدين وبالعملة المحلية , مع وعود بمضاعفة استيراد الغاز المخفض سعريا , وهنا تثبت ان السياسة مصالح كما تقول القاعدة الفقهية ” لا عدو دائم ولا صديق دائم بل مصالح مشتركة ” ولا توجد دولة منظمة خيرية تقدم جيوشها وأموالها للدفاع عن دولة بالمجان بل لتحقيق مصالحها , وخصوصا ان ايران وتركيا تشترك بجوانب كثيرة منها النفط , الغاز , السلاح , التجارة , السياحة , والعقيدة السياسية , المياه , ولم تشهد الوقائع طيلة عقود ان جرى احتكاك عسكري بين البلدين , ليضيف هذا الاتفاق عامل اخرى من التحالفات في لوحة الشرق الاوسط التي تعاني من التصدع حد الانهيار .
التقارب السعودي الباكستاني
شهدت لوحة الحراك السياسي والحربي في الشرق الاوسط تقارب واضح المعالم من قبل المملكة العربية السعودية والباكستان وتقرب حذر وخجول نحو تركيا , بعد اعلان “عاصفة الحزم ” وانطلاق العمليات الجوية التي تعمل على كسر ضلع حرب المشاطئة والكماشة الايرانية ضد السعودية بشكل خاص والخليج بشكل عام , واتسمت هذه الخطوة الاستراتيجية بالضرورة الاستراتيجية التي تتخطى عامل الوقاية , وكما اعتقد تفتقر لتكتيك عسكري منهجي يعالج الموقف بشكل اكثر دقة وتأثير , خصوصا ان الحرب الدافئة الحالية التي تخوضها دول كبرى وإقليمية على ارض الشرق الاوسط تتسم بتجزئة القوة النظامية مع قوة غير نظامية لتحقق مكاسب عسكرية في مسرح الحرب الدافئة , ونجحت كحرب في العراق وسوريا واليمن, وبالتالي المعالجة بحاجة الى ادارة عسكرية خاصة لا تقف حد العمليات الجوية لإعادة الشرعية والاستقرار لليمن وإجبار الحوثيين بإنهاء الانقلاب وإعادة التوافق السياسي لليمن , خصوصا ان خليج عمان ومضيق باب المندب تعد مياه دولية واحد ابرز المضايق الاستراتيجية المتسقة بالأمن والسلم الدولي وكذلك بالأمن القومي الخليجي والعربي , وبلا شك مكاسب الميدان هي ذراع السياسة , وتقول نظرية التوازن في كتاب “ريتشارد ليتل ” ((توازن العلاقات الدولية)) ان طبيعة النظام الدولي التي أبطلت سياسة التوازن بالإكراه ولابد ان التحول للتوازن بالإقناع , ولكن في ظل المتغيرات الحالية وانهيار النسق الدولي والتنصل من التحالفات السابقة خصوصا ان تحول مفهوم القوة ولم يعد يتركز بيد لاعب واحد وأضحت الحرب الدافئة ذات اللهيب المنتشر لتخوم الدول العربية يفرض ان القوة نتاج النظام وتوزيع القوى الاجمالي بحاجة الى اعادة تشكيل دائمة خصوصا في ظل غياب التوازن بالإقناع على المستوى الدولي والإقليمي , وهذا ما يفسر المتغيرات الحالية والتحالفات السيالة الجارية المختلفة تماما عن العقد الماضي , خصوصا ان المحور الجيوسياسي العربي قد فقد محاور جيوسياسية خشنه نتيجة فقدان الوعي الاستراتيجي ولم يعوضها بشكل واقعي , ولم يتجانس حتى الان مع مناخ الحرب الدافئة الذي نشهده اليوم , مما يتطلب اعادة النظر برسم السياسات الخاصة بتأهيل القوة ودمج القوى الثلاث ( الناعمة –الخشنة –الذكية) لتحقيق التوازن بالإكراه في ظل غياب التوازن بالإقناع .
في ظل هذا المشهد المعقد والمركب والذي ينذر بتوسع الحرب الدافئة وزيادة موجات التطرف لتشغل رقع اكبر في الشرق الاوسط والعالم , نجد ان من يصنع او يدير موجات العنف والتطرف او يهيئ بيئتها على المستوى الدولي او الاقليمي او العربي يلعب بالنار , ويتخطى حدود الأمن القومي والأمن والسلم الدوليين , ونلاحظ ان المنطقة برمتها لم تعد تحتمل حروب اخرى , وكما يبدوا ان صناع القرار والمفكرين والباحثين يبحثون في القشور ويتركون الجوهر , وبلاشك ان “القوة جوهر الصراع ” ومن يمتلك القوة المسؤولة يضع سياسات التوازن بالإكراه , ومن يفقدها لا يشكل رقما في معادلة التوازن , ولم يتمكن حتى المحافظة على مكتسباته السياسية على مستوى الدولة والمجتمع , بات من الواضح خارطة التحالفات قد تغيرت تماما وتشير الى احداث قادمة اكثر سخونة ما لم يجري اعادة رسم السياسة والتوازن بالمنطقة وهذا لا يجري بالأمنيات والوقوف في منطقة الظل , لان اكما اسلفنا ان القوة جوهر الصراع ومن كان يؤمن بالسراب وتحقيق التوازن بالإقناع فانه مخطئ , وكما قال الرئيس الامريكي اوباما “على العرب ان ينزعوا شوكهم بأيديهم ” وهو امر يستطيع العرب فعله لو توفرت الحكمة وحشدت الموارد وتوقف بعض الدول عن التغريد خارج السرب العربي .