الشاب جمعة قتل والداه و الكثير من أقاربه في أحداث الثمانينيات عندما كان يبلغ من العمر حوالي سبعة أعوام وذلك بسبب مشاركتهم في الثورة ضد النظام الذي كان يرأسه حافظ الأسد أيام الثمانينيات بعد قيام النظام بإخماد الثورة بالعنف و قتل الأبرياء لأنه طالبوا بتغيير نظام الحكم حيث قتل أكثر من 40 ألف مواطن غالبيتهم من محافظة حماه التي اشتعلت الثورة فيها.
لم يتبقَّ للشاب جمعة من اقاربه سوى عمته التي كانت تكبره ببضعة أعوام و التي حملت على عاتقها مهمة رعايته و تربيته فكبر الشاب و أنشأته على أفضل تربية حاله كحال العديد من الأطفال الذين عانوا من اليتم آن ذاك بسبب قتل النظام لآبائهم و أقاربهم.
لم يعرف الشاب أمه الحقيقية لكنه يعلم أن عمته التي قامت على تربيته هي أمه فكلمات “مهجتي، يا نور عيني” التي لم تفارق شفتاها ترددها دوماً على جمعة كلما رأته كانت تشعره بحنان الأم على طفلها. بعد العديد من سنوات التربية كبر الشاب ليأتي بعد ذلك اليوم الذي تندلع فيه الثورة في الخامس عشر من آذار/مارس عام 2011 ليخرج الشاب في المظاهرات السلمية التي نادت بالحرية مردداً شعارات إسقاط النظام.
قامت عناصر الأمن باعتقاله ليذوق أشد أنواع التعذيب ليلخص قصته بعد خروجه قائلاً “تجويع و قتل وتعذيب كسور وكدمات تلحق بي وبالمعتقلين نتيجة همجية صهيونية يمارسها عناصر منزوع من قلوبهم الرحمة على كل من خرج في مظاهرة تنادي بإسقاط نظام غاشم عانى الشعب منه منذ عقود”. نية في فرح لم تكتمل على هذه الأم فقد عزمت على البحث عن زوجة له ليبدأ هو بالحديث معها بأنه سوف يلتحق بكتائب الجيش الحر من أجل الدفاع عن أرضه قائلاً “يما أدعيلي أنا طالع بلا رجعة، طالع لوجه الله ولأجل أم الوطن درعا” وذهب وهي تدعو له بالنصر.
خاض الشاب الكثير من المعارك ببسالة وشجاعة متقدماً في الصفوف الأولى وهو يقول “والله سآخذ بالثأر لكل قطرة دم سالت من معتقل وشهيد ولكل دمعة ذرفتها أم ثكلى على ولدها الذي قتله النظام”.
القلق يزاول عمته وخوفها عليه من الموت لا يفارق قلبها منتظرةً عودته بفارغ الصبر ليُقْرَعَ عليها الباب بعد ما يقارب عامين من التحاقه بالثوار ليظهر أمامها أحد اعز اصدقائه يزف إليها نبأ استشهاده في المعركة عندما تمكنت كتائب الجيش الحر من اقتحام حاجز البقعة في مدينة درعا ليذهب ضحية رصاصة قناص قد اودت بحياته ليضاف إلى عدد شهداء سورية عام 2013 والذي بلغ أكثر من 40 ألف شهيد. عند إحضار رفاقه جثمانه إلى المنزل جلست عمته بجوار راسه المضرج بالدماء وهي تدعو له بحرقة وألم وهي تقول “كنت اتمنى من الله أن يسلمك لي ريثما أفرح بزفافك لكنني الأن فرحة بأن زفافك سيتم في الجنة”.
لم تكن قصة الشاب جمعة هي الوحيدة في سورية فكل منزل في سورية يحوي على شهيد أو مفقود أو معتقل لدى النظام، يروي ذويه قصة ألم يعيشونها نتيجة فقدهم لأحد أبنائهم فقد بلغ عدد شهداء سورية أكثر من 300 ألف شهيد في حين بلغ عدد المفقودين و المعتقلين حوالي 325 ألف شخص بينهم الكثير من النساء والأطفال في ظل صمت عالمي عن مساندة الشعب لإخراجه من محنته.
المركز الصحفي السوري – مصطفى العباس