أوعز الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، مساء الاثنين الماضي، 14 آذار/ مارس 2016، إلى وزير دفاعه لبدء عملية سحب القوات الروسية المتواجدة في سوريا، اعتبارًا من صباح يوم الثلاثاء، مشيرًا إلى أن الحملة الروسية في سوريا حققت أهدافها المنشودة.
وقد أحدث قرار بوتين المفاجئ حالة من التساؤل لدى الكثير من المتابعين، حيث أصبح السؤال العام المطروح فيما يتعلق بهذا القرار “لماذا انسحب بوتين من سوريا بشكل مفاجئ؟”.
كانت أول إجابة على هذا السؤال قد طُرحت من قبل السيناتور الأمريكي “جون ماكين”، حيث أوضح، عبر وسائل الإعلام الأمريكية، أن قرار انسحاب بوتين من روسيا يوحي بوجود ربيع دموي في أوكرانيا، حيث اضطر بوتين لتحويل بوصلته إلى أوكرانيا، لإنقاذ موقفه في القرم وبعض الولايات الأوكرانية الأخرى، عقب النشاط الذي شهدته المنطقة بين أوكرانيا وعدد من الدول المعارضة للتحرك الروسي.
ربما يمكن تصنيف تحليل ماكين على أنه واسع وافتراضي أكثر من كونه يعتمد على تحاليل واقعية قريبة للصواب، إذ يظل تحليل رهن الادعاء النظري ينتظر بوادر واقعية للتحرك الروسي هنا وهناك.
وبالاطلاع على رؤى المحللين الأتراك والصحف التركية، يوضح الخبير السياسي “محمد بارلاص” أن التدخل الروسي لسوريا خدم بشار الأسد فقط، والآن وفي ظل استمرار مشاورات جنيف، فإن الانسحاب الروسي سيزيد من قوة الأسد في المفاوضات، إذ أنه غدا يسيطر على عدد من المناطق، وسيطرح انسحاب روسيا على الطاولة كبادرة حسن نية للتوصل إلى حل يُنهي الأزمة السورية لصالحه.
وأشار بارلاص إلى أن انسحاب روسيا دون القضاء الفعلي على “داعش”، يؤكد على أن الهدف الرئيسي لتدخل روسيا في سوريا، هو إبقاء بعض العناصر التقسيمية موجودة، مع إحداث بعض التقدم لصالح نظام الأسد، وهذا ما حدث فعلًا في بعض المناطق، حيث وسع التدخل الروسي نطاق سيطرة قوات الأسد بشكل جزئي، وأبقى على داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي مسيطرين على أماكن تواجدهما، وذلك لتوسيع منطقة سيطرة الأسد في حال حدث تقسيم فيدرالي لسوريا.
وأكَد بارلاص، في مقاله بصحيفة صباح “حقيقة الانسحاب الروسي من سوريا”، أن تركيا أول المستفيدين من هذه الخطوة، إذ يجب الاعتراف بأن روسيا فرضت حظرًا جويًا على تركيا، عقب إسقاط الأخيرة للطائرة الروسية المخترقة لأجوائها السيادية، وهذا ما سيمكن تركيا من استهداف المنظمات الإرهابية الفاعلة في سوريا من جديد، في حال استدعت الحاجة.
لم تتفق صحيفة حرييت مع تحليل بارلاص، وذكرت عدة سيناريوهات مطروحة حول العوامل التي دفعت بوتين إلى الانسحاب من سوريا، وأهمها:
ـ السيناريو الاقتصادي: واجهت روسيا الكثير من الخسائر الاقتصادية مؤخرًا، نتيجة أزمة النفط العالمية والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبي، وليست تكاليف الحرب في سوريا، التي تصل إلى 3 ملايين دولار يوميًا، بالأمر الهيّن، بل هي خسائر فادحة لا يمكن لروسيا الاستمرار في تحملها.
ـ السيناريو العسكري: أوضح الخبير العسكري الاستراتيجي الروسي “ألكساي ماكاركين” أن المملكة العربية السعودية وتركيا وحلفائهما أوصلوا تهديدات واضحة لروسيا، من خلال سعيهم للتدخل العسكري البري والجوي لمنع الجرائم المرتكبة في سوريا وإيجاد حلول ملائمة لمصالح المنطقة، وهذا ما دفع روسيا للتفكير بتروٍ، وإبداء بعض التحركات الإيجابية لصالح هذه الدول، للقضاء على حرب إقليمية كان يمكن أن تكلف روسيا ونظام الأسد الكثير في حال نشوبها.
ـ تجنب السقوط في فخ الحرب بالوكالة: حرب الوكالة المدعومة من قبل قطر، وتركيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، أعادت ذهن روسيا إلى حرب أفغانستان، حيث دعمت عدة دول قوات المقاومة الأفغانية وغير الأفغانية، مما أدى إلى تكبد روسيا الكثير من الخسائر، وإصابتها بهزيمة نكراء في نهاية المطاف. وبالتالي دفعت عدم الرغبة في الوقوع في هذا المستنقع من جديد بروسيا إلى لملمة قواتها والانسحاب قبل السقوط في غيابات الجُب.
ومن جانبه، رأى الخبير السياسي “محمد ساريم” في انسحاب روسيا من سوريا انتصارًا واضحًا لقوات المعارضة والجهات الداعمة لها، متوقعاً حدوث عدد من النتائج الإيجابية لصالح القوات الثورية في الأيام المقبلة، ولكن هذه النتائج مرهونة بالاجتماع على كلمة سواء، والإصرار على بعض النقاط المشتركة والتي تصب في صالح الثورة.
ترك برس