ثمّة عطب فكري، ناتج من مفارقة بين أطياف المجتمع السوري، متمثلة في تباين طرق التعايش بين هذه الأطياف على أرض الوطن من جهة، وفي المنفى الجبري أو الطوعي من جهة أخرى.
في الوطن، تزداد الهوّة اتساعاً بين السوريين، تستمد ديمومتها من بقايا قومية رثة، إرث ديني حُمّل أكثر من طاقته، أو حتى أفكار متقوقعة، تأبى التطوّر، وهي تجذّرت بين السوريين، إما بالتوّلد الفطري أو التراكم الواقعي أو التشرّب الفكري. أدى دخول هذه العوامل في مرحلة التسبّب المباشر للتمايز الفئوي بعد الأشهر الأولى للثورة إلى تشظي بنية المجتمع السوري، وبالتالي، تبدّد القوة المعوّل عليها في إحداث التغيير المنشود.
من هنا، يبرز الجانب الأوّل للمفارقة، وهو أنّ هذه المجاميع الفئوية أحدثت شروخاً حتى في الطيف الواحد، مستهدفةً، بالدرجة الأولى، مفهوم العيش المشترك الضامن للسلم الأهلي، والأمثلة كثيرة، منها التجاذب الكردي العربي والصراع السني العلوي.
طريقة تعايش المجتمع السوري المتمثّل في المنفيين السوريين الموّزعين على أرجاء المعمورة هو الجانب الآخر للمفارقة، حيث ينسى السوري الجانب الإيديولوجي والتمييزي للمسمّيات الطائفية والعرقية، مكتفيّا بكلمة سوري، ولا يرى حرجاً في التعامل مع أقرانه السوريين المختلفين عنه فكرياً وأيديولوجياً، متخذين من صدر بيت الشعر لزهير بن أبي سلمى (ومن يغترب يحسب عدواً صديقه) أساساً للتعامل.
تشكّل الأقلية من كِلا طرفي المفارقة عنصر التغيير ضمن الأكثرية، سلباً أو إيجاباً، فالأقلية الوطنية ضمن الأكثرية الفئوية لا تلقى آذانا صاغية في الداخل، لأنّ ركائز التصدّع المجتمعي، خصوصا بعد الثورة، تعمّقت أكثر في ظلّ مناخ خصب يُحصد نتاجه بمزيد من دماء السوريين.
أما في الطرف الآخر تلعب الأقلية الفئوية ضمن الأكثرية المنفية، وبهمّة من حملوا معهم مرض الاصطفاف الفئوي إلى المنفى، الدور الأسوأ المتمثّل في نقل ثقافة التصدّع إلى أبناء الوطن الواحد المنفيين.
وبهذا تعاني الأقلية الوطنية ضمن الأكثرية الفئوية، على أرض الوطن من منفىً معنوي، بينما تعاني الأكثرية المنفية، مع الأقلية الفئوية في المنفى، من منفىً مادي بالإضافة إلى المنفى الوجودي.
العربي الجديد – عبد الناصر الخلف