الشرق الأوسط
لم تتمكن نجاح.ع، العاملة في تنظيف المنازل من الذهاب إلى عملها صباح أحد الأيام، كانت ترتدي ملابس العمل عندما تلقت هاتفا يبلغها أن شقيقتها في المنطقة المحاصرة على بعد بضعة كيلومترات أصيبت بقذيفة، وبترت قدمها، أثناء ذهابها لتسلم حصتها الغذائية من مكتب للأمم المتحدة، وتم نقلها إلى مشفى على أطراف مدينة دمشق.
نجاح سيدة في منتصف العمر ترملت مبكرا ولها 3 شبان أحدهما التحق بالخدمة الإلزامية، والثاني تطوع في إحدى الميليشيات المقاتلة إلى جانب النظام، والثالث مفقود والأرجح أنه انضم إلى فصائل المعارضة. أما البنات فهن ثلاث؛ واحدة مراهقة وقد تركت المدرسة، وأخرى قتل زوجها في المعارك الدائرة جنوب دمشق تاركا لها طفلا عمره سنتان، والثالثة زوجها اختفى بعد 6 أشهر من زواجها.
تمكنت نجاح من الخروج من حي الحجر الأسود بعد أشهر من الحصار والتجويع لتسكن في حديقة جنوب العاصمة، إلى أن بدأت بالعمل في تنظيف المنازل. استأجرت غرفة بأجر زهيد في بناء تتمركز على سطحه قوات النظام. تؤكد نجاح أنها لم تعرف النوم منذ نزحت من بيتها في الحجر الأسود، فتارة تعاني البرد الشديد الذي يكاد يفتك بها وبأبنائها.. وتارة من أصوات القصف المنطلقة من سطح المبنى، وتارة أخرى من الجوع لعدم توفر المال الكافي لشراء وجبة تكفي العائلة، عدا المصائب التي تتوالى عليها يوما بعد آخر منذ أن اندلعت الحرب في سوريا.
4 أعوام مرت على الثورة السورية.. يحاول سكان المدن السورية التكيف مع واقع جديد فرضته الحرب، تمثل في ندرة المواد الغذائية والأدوية وارتفاع ثمنها بشكل جنوني، وفقدان مقومات العيش الطبيعية من ماء وكهرباء، فيما اعتاد السوريون على الهروب من مواقع سقوط القذائف ومناطق الاشتباكات، حتى باتوا أشبه بالرحل، يتنقلون من مكان إلى آخر، بحثا عن أمان مفقود.
فرضت الحرب هذا الواقع، منذ اشتعالها في مارس (آذار) من عام 2011، لكن المعاناة تضاعفت مع انتشار المعارك في مجمل المناطق السورية. يقول «عبد القادر» الذي وصل إلى لبنان قبل 6 أشهر، إن الحياة هناك «باتت جحيما»، إذ «قطعت المعارك أوصال البلد»، بينما «باتت لترات قليلة من مادة المازوت، عملة نادرة»، إضافة إلى أن أسعار السلع «صارت خاضعة لأطماع المحتكرين والتجار»، حتى إن المدن أصبحت «مقطعة الأوصال»، فضلا عن «الحواجز النفسية والأحقاد التي تركتها الحرب بين شعب واحد تحول إلى شعوب».
تقول نجاح: «كانت حياتي في الحجر الأسود عادية وهادئة، بيتي مفروش بكل ما يلزم، أنا الآن مشردة مع أولادي، تؤوينا غرفة باردة تفتقر لكل شيء، ننتظر بفارغ الصبر الحصول على معونات، مع أني أعمل بأجر ألف وثلاثمائة ليرة يوميا (7 دولارات تقريبا)، لكنها بالكاد تكفي ثمن الأكل» وتروي أنها تعرضت الأسبوع الماضي للسرقة لدى عودتها إلى بيتها بعد يوم عمل طويل وشاق، ورغبت أن تشتري فلافل لتتعشى مع أولادها وكانت تحلم باللحظة التي ستصل فيها كي تأكل وترتاح، ولكنها اكتشفت أن لصا سحب أجر اليوم من حقيبتها وفر هاربا.
«نوال» وهو اسم مستعار لعجوز في الثمانين من العمر، ثرية بيتها لا ينقصه شيء كما لا ينقصها المال، لكنها تعيش حياة تعيسة كما تقول. كانت تملك أسرة كبيرة من أبناء وأحفاد قرابة الخمسة والعشرين شخصا، كانوا يملأون بيتها بالحياة.. فجأة افتقدهم جميعا منهم من هاجر إلى أميركا وآخرون إلى أستراليا وكندا وأوروبا، لتبقى وحدها في بيت مساحته 300 متر تحادث الصور والظلال. تقول: «أنا صرت ناطورة للبيت وكأني ما أنجبت ولا ربيت».
حال هذه السيدة التي ترعاها نجاح يومين بالأسبوع يبدو مترفا بالمقارنة مع قلق عائلة جيرانها التي لم تتمكن من تسفير ثلاثة من أبنائها الشباب المطلوبين للخدمة العسكرية والاحتياط، وما زلوا يتنقلون متخفين من مكان إلى آخر ريثما تتدبر العائلة أمر تخليصهم من التحاق بالخدمة العسكرية، بأي وسيلة ممكنة سواء بدفع الرشى أو بالتهريب إلى خارج البلد.
يقول أبو عادل: «كلما قرع جرس الباب يتوقف قلبي.. أظن أنهم جاءوا لسحب الأولاد إلى العسكرية»، مشيرا إلى أن هذه المشكلة تفوقت على كل المشكلات الأخرى التي يعيشونها في ظل الحرب، يقول: «لم يعد انقطاع الكهرباء والوقود وغلاء الأسعار وتعطل عملي يزعجني كثيرا، كما لم اعد أتذمر من الانتظار ثلاث أو أربع ساعات أمام محطة البنزين، ولا من الحواجز المنتشرة على طريق العمل ذهابا وإيابا، ولا حتى من (غلاظات) الشبيحة، كل ذلك بات هموما صغيرة أمام هم سحب أولادي إلى العسكرية، هذا الهم أكل قلبي وليس لدي مال كاف أدفعه لإنقاذ مصيرهم.. لا أعرف كيف أتدبر الأمر، ولم يتبقَ لي خيار سوى بيع البيت والسيارة لتأمين تهريبهم إلى أي دولة أخرى».
هيام ونجلاء، أختان تقدمتا بالعمر ولم تتزوجا وما زالتا تعيشان في منزل العائلة شرق دمشق. تبدي الشقيقتان إصرارا كبيرا على البقاء في دمشق رغم الحرب. تقول نجلاء وهي الشقيقة الكبرى أن أشقاءها وأولادهم في بالخليج وأوروبا، يساعدونهما بالمال لتتمكنا من الاستمرار بالعيش، مشيرة إلى أنهما تحصلان كل شهر تقريبا على مبلغ ألف دولار، كانت كافية لسد كل الاحتياجات قبل نحو عام، لكنها اليوم لا تكفي لسد الرمق. فاتبعوا خطة تقشف جديدة، كل يوم يضاف إليها بند جديد، فمثلا بسبب شح البنزين لم تعد تستخدم السيارة إلا في حالات الضرورة القصوى، لكن جاء شح المازوت وتراجع عدد حافلات النقل الداخلي ليدفعهما أحيانا لاستخدام تاكسي في التنقل، لكن هذا أضاف إليهما أعباء مالية جديدة، فاضطرتا لتقليص عدد زياراتها لوسط العاصمة، بحيث خصصت يوما واحدا للتسوق وآخر لعيادة الأطباء والزيارات الاجتماعية.
بالنسبة للتدفئة فاستبدلت مدفأة المازوت بمدفأة حطب، تستخدم للطبخ أيضا وتسخين الماء للحمام والجلي، لتوفير الغاز، وخاصة أن الكهرباء مقطوعة غالبية ساعات اليوم. أما الإضاءة فتستخدم المولدة المنزلية بحالات الضرورة، أما في الأوقات العادية فيعتمد على بطارية شحن صغيرة، كما تم الاكتفاء باستخدام غرفة واحدة (غرفة المعيشة) من المنزل توفيرا للكهرباء والتدفئة والتنظيف، فتستخدم للاستقبال والأكل والنوم. وتختصر نجلاء كلامها بالقول: «يوما بعد آخر تضيق بنا الحياة ونعود إلى الوراء بدل أن نقطع خطوة للأمام». وتستدرك: «إلا أني وشقيقتي بوضع نحسد عليه قياسا إلى مآسي غيرنا»، لافتة إلى ما جرى مع صديقتها المقربة التي قتل ابنها الأسبوع الماضي بقذيفة لتقول: «كل شيء يهون أمام الموت والإعاقة وخطر القذائف العمياء حين تنهمر على الشام».
* حركة التنقل في المدن
* بات التنقل عموما وحتى داخل المدينة نفسها، سواء أكانت خاضعة لسيطرة المعارضة أم النظام، أزمة بحد ذاتها. يقول موسى الخطيب من مدينة حلب، إن السكان «يحجمون عن الصعود في سيارات التاكسي، بسبب المخاوف من الخطف»، مشيرا إلى أن «رجال أمن وشبيحة ولصوصا وقطاع طريق، يستفيدون من غياب الأمن في المنطقة، ويستخدمون سيارات التاكسي لاصطياد الناس لأغراض السرقة أو دفع الفدية أو أغراض سياسية وأمنية». ويشير إلى أن الناس «يتريثون قبل التنقل في سيارات الأجرة، ويفضلون التنقل سيرا على الأقدام في ساعات النهار كي يتجنبوا السرقة والخطف».
وفي ساعات الليل، بات التنقل شبه مفقود. ثمة تحذيرات من الخطف والقنص على حد سواء. يقول ناشطون، إن مناطق بحالات «باتت أشبه بخطوط تماس، وساحات لقناصين ينشطون ليلا، فضلا عن انتشار مسلحين في الطرقات، ولصوص يقيمون حواجز متنقلة، مدعين أنهم جهات أمنية، علما أنهم يسرقون الناس في الشوارع».
إلى ذلك، لم يعد سهلا على أي مواطن سوري أن يتنقل بين مكان وآخر. الأسماء التي يحملونها، منعتهم من التجوال بين مناطق ألفوا زيارتها لأغراض تجارية أو حرفية أو عائلية. يقول أبو علاء، وهو عامل في نحت الصخر بريف حماه، إن لم يلتق شقيقه منذ 3 سنوات. ويضيف: «الحواجز العسكرية النظامية المنتشرة حول مدينة حماه، حيث أقطن، ستدقق بهويتي ووجهتي، ما يثير الشبهات حول علاقتي بزيارة شقيقي في الريف الشمالي للمحافظة»، مشيرا إلى أن «الحواجز العسكرية التابعة للمعارضة، ستعتقلني أيضا إذا عرفت أنني لا أزال أقيم في مناطق سيطرة النظام في المدينة». ويقول: «في كلي الحالتين، سأعتقل أو أهان أو أقتل.. وعليه، حرمت من لقاء شقيقي كما حرم شقيقي من لقائي، ونكتفي بالتواصل عبر الاتصالات الهاتفية».
الواقع أن انتشار الحواجز العسكرية لقوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد في محيط المدن وداخلها، وانتشار الحواجز العائدة لفصائل عسكرية معتدلة أو متشددة، ألغت الكثير من عمليات التواصل العائلي في شمال البلاد.
عائشة (56 عاما) هي أم لخمسة أولاد، تلزم منطقة سكنها في جسر الشغور منذ 3 سنوات، لكنها حرمت من لقاء أولادها المنتشرين في تركيا ولبنان ودمشق وغرب حلب. يقول ابنها أحمد الذي يقيم في منطقة النبعة في ضاحية بيروت الشرقية: «لم نلتقِ جميعا منذ أكثر من عامين.. أحيانا يستطيع شقيقاي أن يزورا أمي.. لكنها في معظم الأوقات وحيدة، ويهتم بها جيراننا».
وقطعت الظروف نفسها التواصل بين أبناء المحافظة أو المدينة الواحدة. وحدهم التجار، والمستفيدون من اقتصاد الحروب، يستطيعون التنقل بين المناطق، على ضوء حيازتهم على دعم من كلي الطرفين.
يقول ناشطون إن التجار والمهربين: «هم أكثر الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة على التحرك، وينقلون من البضائع من منطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة، بغطاء من المسلحين المعارضين والشبيحة، ويحتكرون بيعها، ويرفعون أسعارها لتصل إلى حدود 200 في المائة أحيانا».
ففي ظل الحصار الذي تفرضه القوات النظامية على أحياء المعارضة، افتقدت تلك الأحياء إلى المواد الأساسية وسبل العيش الضرورية. وفي حلب، كما في الغوطة الشرقية وحي الوعر في وسط حمص، أتيح لـ«تجار الأزمات» كما يطلق عليهم عضو في الائتلاف الوطني السوري، التنقل بحرية، وجمع ثروات. يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعارضين كما شبيحة النظام يتكاتفون، رغم خلافاتهم السياسية والعسكرية، على حساب الفقراء، فيخبئون مواد إغاثية، ويرفعون أسعارا أخرى، ويوفرون المواد الطبية والغاز والمازوت بأسعار مضاعفة»، مشيرا إلى أن هؤلاء «باتوا السمة الرئيسة لمناطق خطوط التماس في الشمال».
وتفتقد مناطق سيطرة المعارضة إلى المقومات الأساسية الحياة، في ظل الحصار المفروض عليها، ما اضطر كثيرين إلى دفع ثمن السلع مبالغ مضاعفة، فيما خففت المعونات وقوافل المساعدات من حجم الكارثة في كثير من الأوقات. وتتقاسم جميع المناطق هذه المشكلة، غير أن بعضها التي تتمتع بحدود مفتوحة على «مناطق محررة»، تخف فيها الأزمة عن مناطق أخرى، وخصوصا في المناطق المفتوحة على الحدود التركية أو الحدود الأردنية.
ويرجع معارضون سوريون الوضع الإنساني الذي وصل في حمص إلى مستوى «كارثي»، قبل إدخال المساعدات الأخيرة الشهر الماضي. والمشهد نفسه يتكرر في الغوطة الشرقية وبلدات جنوب دمشق، وحي الوعر في حمص (وسط البلاد) بفعل الحصار المطبق الذي تنفذه القوات الحكومية بعد عزل تلك المناطق عن محيطها، وهي استراتيجية أجبرت المعارضين في بعض البلدات على توقيع اتفاقيات مع النظام، فيما تقتات أخرى من الخضار، و«ما تيسر من محاصيل زراعية» لمنع وقوف آلاف السكان في المجاعة، كما تقول مصادر المعارضة في ريف دمشق لـ«الشرق الأوسط»، وخصوصا في داريا والغوطة الشرقية.
وتشير إلى أن إدخال العدد المحدود جدا من الحصص الغذائية إلى الغوطة الشرقية «يخضع لتفتيش دقيق من القوات الحكومية على مداخل المنطقة، فيما ترتفع أسعار السلع الغذائية بشكل جنوني في الداخل بسبب ندرتها»، لافتة إلى «شبه حرمان تعانيه الغوطة من المساعدات الإغاثية عبر المنظمات الدولية».
وينسحب هذا الواقع على الحصول على خدمات أخرى، مثل بطاقات تعبئة الهاتف الجوال التي غالبا ما تنقطع، ما دفع كثيرين إلى اعتماد أساليب أخرى للاتصال. ويقول أحمد من سكان حلب، إن وسيلة الاتصال المتوفرة الآن «هي الاتصال من السنترالات التي افتتحت حديثا في أحياء حلب، وتعتمد تقنية الاتصال عبر الإنترنت بشكل أساسي، إلى جانب خطوط السيرتيل التي تتوفر بين حين وآخر».
وفي ما يرتبط بخدمات الإنترنت، يقول ناشطون إن غياب التغطية من الشبكة الحكومية في مناطق سيطرة المعارضة، انتشرت مقاهي الإنترنت على نطاق واسع، حيث يرتاد السوريون تلك المقاهي بهدف التواصل مع العالم الخارجي، ويحصلون على التغطية من الشبكة الفضائية.
وإلى جانب انقطاع مواد الغذاء والاتصالات، اعتاد سكان سوريا على انقطاع الكهرباء والشح في وصول مياه الشفة. وتظهر صور جوية يتداولها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، حجم العتمة في المدن السورية ليلا، بالمقارنة مع صور مأخوذة قبل الأزمة. وتكيف السكان مع هذا الواقع، عبر اعتماد أساليب أخرى للإضاءة، بينها بطاريات السيارات، ومولدات كهربائية تروج تجارتها، إضافة إلى الشموع ومصابيح الجاز التي كانت تستخدم في وقت سابق قبل عشرين عاما في القرى السورية.
ويقول ناشطون، إن الإقبال على شراء الشواحن والمولدات الكهربائية، أدى إلى رفع أسعارها بطريقة جنونية وصلت إلى أضعاف أسعارها الحقيقية، مع استغلال البعض للطلب الكبير، وأصبحت تجارتها وصيانتها مربحة جدا في زمن الحرب.
وتخضع المدن السورية لتقنين قاس بالتغذية الكهربائية، إضافة إلى التقنين بالحصول على مياه الشفة، ما يدفعهم إلى حفر آبار ارتوازية، بعضها ملوق، لكن البديل الطبيعي لانقطاع الماء. إضافة إلى ذلك، بات رائجا وقوف صفوف طويلة من الصغار والكبار لتعبئة ما تيسر لهم من المياه من صهاريج توفرها القوى المسلحة الموجودة في المناطق، بغرض مساعدة السكان وتأمين مياه الشفة لهم.
وإذا كان السكان وجدوا بدائل لمواد أساسية يفتقدونها، وتكيفوا مع الواقع الجديد الذي فرضته الحرب، إلا أن أساسيات أخرى، لا يمكن التعويض عنها، بحسب ما يقول ناشطون، وأهمها افتقادهم للدواء، ويحصلون على الأدوية في حال توفرت من منظمات دولية أو الهلال الأحمر السوري وقوافل المساعدات. وفي حال فقدانه، فإن كثيرين يصابون بمضاعفات صحية، من غير القدرة على علاجهم، كما يقول ناشطون.
وكان أطباء سوريون اجتمعوا في باريس الشهر الماضي، حذروا من الكارثة الطبية والإنسانية في بلادهم التي تشهد حربا مستمرة منذ نحو 4 سنوات، مع نقص في الأطباء والمعدات والأدوية وعودة ظهور أمراض سبق أن تم استئصالها، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية. وخلال لقاء مع الصحافة في وزارة الخارجية الفرنسية، قال عبيدة المفتي، الطبيب الفرنسي السوري العضو في اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية، وهي شبكة من الأطباء من داخل وخارج سوريا مدعوم من عدة بلدان، ولا سيما فرنسا، إن «الوضع لا يحتمل، كارثي، ولم يعد هناك وجود طبي في الكثير من المناطق السورية».
وفي الشمال، بات الحال أصعب، بحسب ما تؤكد مصادر بارزة في المعارضة، إذ «تعاني حلب من أزمة إنسانية كبيرة، نتيجة فقدان الأدوية من مناطق سيطرة النظام، وافتقادها مواد أساسية يحتاج إليها المواطنون في الشتاء»، مؤكدة أن الأزمة الإنسانية تجددت في حلب.
ورغم ذلك الوضع المأساوي، لا يزال السوريون متشبثين بمناطقهم. تكيف بعضهم مع واقعه، واستعاد البعض الآخر نشطه على وقع القذائف والصواريخ والرصاص. ورغم استمرار الحرب في سوريا يواصل كثير من التجار والحرفيين تمسكهم بأداء عملهم وتقديم السلع والخدمات للسكان في دمشق.
وبحسب تقرير نشرته وكالة «رويترز»، اضطر غسان العلبي التخلي عن ورشة الحدادة التي يملكها في السبينة بريف دمشق عندما دخل فصيل مسلح البلدة وأجبر السكان على الرحيل. انتقل العلبي مع أسرته إلى مكان آخر وظل بغير عمل عدة شهور إلى أن قرر تحدي الظروف واستئناف العمل ولو في الشارع. وقال العلبي: «لا وجود للغد.. على كل شخص أن يقوم بمهامه اليومية، يوما بيوم، ودقيقة بدقيقة، نعمل هنا تحت السماء وسط الطريق».
ووسط هذا الواقع، يبدو كثيرون تواقين إلى الهروب من المعاناة اليومية التي يعيشونها، وبالتالي بحثهم عن طوق نجاة، هو الوصول إلى أوروبا، وإن كان الأمر يتطلب دفع مبالغ مالية مرتفعة.