نقش فيضان سنة 1946 القياسي على ذاكرة السودانيين عميقا حتى أصبح حدثا يؤرخ به، ولم تشهد البلدات والقرى المشاطئة للنيل فيضانا مماثلا إلا عام 1988، لتتوالى بعدها فيضانات كارثية على فترات قريبة تحولت إلى شبه سنوية.
وطبقا لقراءات وزارة الري والموارد المائية فإن فيضان النيل -الذي يحاصر ويهدد منازل ومزارع السودانيين على ضفاف النهر حاليا- يعد الأضخم خلال 100 عام.
وقال وزير الري ياسر عباس في مؤتمر صحفي إن مناسيب النيل سجلت فيضانا أعلى من العام الماضي ومن فيضان 1946 القياسي الذي كان عند محطة الخرطوم، في حدود 17.14 مترا، في حين سجلت أعلى مناسيب العام الماضي 17.26 مترا.
وطبقا لقراءات لجنة الفيضانات بالوزارة فإن محطة الخرطوم سجلت أعلى منسوب اليوم 17.57 مترا، في حين سجلت محطة شندي 18.25 مترا متفوقة على أعلى قمة مسجلة 18.07 أمتار بـ 18 سنتيمترا.
ويحاصر فيضان النيل غالب مناطق ولاية الخرطوم المطلة على 3 أنهر “النيل الأزرق والأبيض ونهر النيل الرئيسي” في حين تناضل جزيرة توتي -قرب مقرن النيلين الأزرق والأبيض، كل عام- للنجاة من الغرق.
ارتباك القراءات
وبرأ وزير الري والموارد المائية السد العالي في مصر وسد النهضة بإثيوبيا من التسبب في الفيضانات القياسية التي يكابدها السودان حاليا.
وقال إن العكس هو الصحيح، ففي حال تشغيل سد النهضة فإنه سيحمي السودان من الفيضانات، كما أن بحيرة السد العالي تنتهي بنحو 150 كيلومترا جنوبي وادي حلفا وآخر امتداد للبحيرة شمال دنقلا بمسافة كبيرة، وبالتالي ليس لها أثر في فيضان النيل في الخرطوم ولا في منطقتي مقاشي وحزيمة بالولاية الشمالية.
ويقول مصدر مسؤول بوزارة الري للجزيرة نت إن جزءا من أسباب الفيضانات محلية، من بينها وديان ضخمة تربك قراءات مناسيب نهر النيل بعد عبوره إثيوبيا للسودان.
وتدفع وديان كبيرة -حسب المصدر- بكميات مهولة لمجرى النيل بالسودان، منها وديان مشهورة تصب في ضفتي النيل الشرقية والغربية عند الخرطوم، وتتسبب سيول هذه الوديان أحيانا في أضرار بالغة قبل وصولها النيل.
ويشير إلى أن ثمة روافد موسمية للنيل الأزرق -مثل أنهار الرهد والدندر وعطبرة- تدفع سنويا بمياه مهولة لمجرى نهر النيل في موسم الفيضان.
نعمة ونقمة
وأكد إدريس عمر، من إدارة المياه الجوفية والوديان في وزارة الري والموارد المائية، أن مياه الوديان والخيران بدلا من أن تكون نعمة تحولت إلى نقمة.
وأضاف عمر للجزيرة نت أن الإدارة تمتلك مرجعيات ودراسات وأبحاثا من بيوت خبرة إنجليزية وهولندية ويمكن أن تقدم قراءات بشأن كميات المياه التي تجلبها الوديان وسرعة جريانها، لكنها تحتاج تمويل ولوجستيات.
ويذكر أن من بين الخطط التي يمكن إنجازها، بناء سدود ترابية وخرسانية للاستفادة من مياه الوديان في مشاريع زراعية بدلا من أن تهدد قرى وأحياء الخرطوم في طريقها للنيل.
وسنويا تعاني الضواحي الشرقية للخرطوم في “أم ضوا بان” و”مرابيع الشريف” و”العيلفون” و”سوبا” و”عد بابكر” من مياه السيول القادمة من سهل البطانة.
ويعجز السودان منذ 3 سنوات عن توفير تمويل للاستفادة من وادي الهواد الممتد من سهل البطانة شرق البلاد وحتى شمالها ليصب في النيل، حيث يمكن زراعة مساحة 2.4 مليون فدان من أراضيه عالية الخصوبة.
نداءات استغاثة
ووجهت ولاية الخرطوم نداء لسكان ضفاف النيل بفروعه المختلفة، وسكان الجزر، باتخاذ الحيطة والحذر، عقب بيان لجنة الفيضان بتعرض الخرطوم لموجة ارتفاع جديدة بمنسوب النيل اعتبارا من أمس الأربعاء، بزيادة 4 سنتيمترات ليستقر في 17.56 مترا خلال الـ 3 أيام القادمة.
وضجت منصات التواصل الاجتماعي الساعات الماضية بنداءات استغاثة أطلقها النشطاء عندما علت مناسيب النيل، وكادت أن تجتاح جزيرة توتي بالخرطوم.
ولتوتي -التي يحفها النيل من كل صوب- حكايات ومواقف جراء صمودها أمام جميع الفيضانات القياسية، ورفض أهلها مفارقة الجزيرة المأهولة منذ حوالي 500 عام.
وأحيا شباب جزيرة توتي هذا الأسبوع ملحمة فيضان 1946 عندما تصدوا بأجسادهم للنيل، وخلدت أغنية للفنان حمد الريح تلك الملحمة بأغنية حماسية طالما تبثها القنوات والإذاعات كل موسم فيضان لحفز الهمم في التصدي للفيضان.
ذروة الفيضان
وحتى صباح اليوم اجتاح فيضان النيل الأزرق منطقة العشرة بمدينة سنجة في ولاية سنار (360 كيلومترا جنوب شرق الخرطوم). وطبقا لوزارة الداخلية فإن قوات الدفاع المدني تعمل على إجلاء السكان ومعالجة التسريب بالتعاون مع السلطات المحلية والمجتمعية.
وأضافت الداخلية أنه تم رصد زيادة 5 سنتيمترات في منسوب النيل الأزرق بمدينة ود مدني (188 كيلومترا جنوبي الخرطوم) صباح الخميس مقارنة بأمس، تبعها تسرب مياه النيل بمنطقتي النوبة والجديد عمران بولاية الجزيرة، حيث يجري اتخاذ التدابير اللازمة.
وشمالا في الولاية الشمالية، شيد السكان على ضفاف نهر النيل المتاريس لحماية مزارع النخيل -مصدر الدخل الرئيسي- من اجتياح الفيضان كما حدث أعوام 1946 و1988 و1994.
ويهدد فيضان النيل سنويا سلسلة جزر في مناطق أبو حمد بولاية نهر النيل، ويجري إخلاء هذه الجزر سنويا إلى حين انجلاء ذروة الفيضان منتصف أغسطس/آب، لكن النيل بات في السنوات الأخيرة لديه ذروات أخرى في سبتمبر/أيلول.ووجه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك -عبر حسابه على فيسبوك- باستمرار التنسيق الفعّال بين كُلّ مؤسسات وأجهزة الدولة، وعلى رأسها المجلس القومي للدفاع المدني، في هذا النفير الوطني الكبير “للعمل على تخفيف حدة الفيضان على مواطنينا”.
نقلا عن الجزيرة