اندلعت الثورة السورية منذ عقد من الزمن، مخلّفة آلاف الضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح، ناهيك عن أعداد المعتقلين التي لا تحصى، نتيجة خذلان العالم لوقف آلة الحرب الفتّاكة بيد النظام وحلفائه، لتبدأ قصص التهجير الأليمة التي طالت الصغير قبل الكبير.
“خالد” شاب سوري في الثلاثين من عمره، ملتزم وذو خلق رفيع، من عائلة متدينة، يروي آلامه التي عاناها خلال النزوح إلى تركيا وترك عائلته بمناطق النظام خوفاً من اقتياده إلى جبهات القتال.
يبدو خالد وكأنه في المائة من عمره، فقد ذهبت بهجة الشباب ورونقه من عينيه، ويقول أنه منذ قدومه اضطر للبحث عن عمل في إسطنبول لسد لقمة العيش المريرة، والنزول إلى مناطق الصناعة كله أمل بإيجاد فرصة، تؤمّن له كلفة السكن الشبابي.
أكمل خالد أنّه فور وصوله إلى إسطنبول أرعبه منظر المدينة ذات المباني الشاهقة، وكان يقول بضحكة بسيطة “يبدو أن الذين يعيشون هنا لديهم معدّات بالبنزين لكثرة سرعتهم دون وجود لمسات إنسانية على بشرتهم التي تحمل المكر في عالم مخيف”، ويعود بالذاكرة إلى مرتع صباه بين الحقول وسواقي المياه التي تشعره كأنّها الجنة، هكذا يعبّر عن قهره بالعيش في المدينة.
ذهب به قريب له لسكن شبابي يقع خلف حيّ ذي أبنية عالية وشوارع عريضة ونظيفة، ويقول “عندما وصلنا إذ به يتجه إلى مؤخرة بناء ودرج دون مستوى الأرض، هنا انتابني شعور بالقلق والتأفف لهذه الورطة، وخاصة بعد أن رأيت الأحذية فوق بعضها البعض كأنّها تحكي قصص جنود عادوا للتوّ من معركتهم، وكان المدخل مظلما وكأنه سرداب ملجأ”.
يكمل خالد قصته في ذلك المكان المظلم “ما إن دخلت حتى شعرت بعدم ارتياح والتفت حولي كيف يمكن للإنسان أن يعيش هكذا حال، إذ أنّ صاحب السكن يريد مزيداً من الزبائن ولا يهتم كيف ينامون أو تأكلون وكأنهم داخل سجن.
أرشده الشاب إلى موقع سريره الذي كان عبارة عن كنبة للنوم عليها ليلاً والجلوس خلال النّهار، وكان بجانبه عجوزان من بلاد عربية لا أعرف كيف وصلوا إلى هنا وأين عائلاتهم.
حاول خالد الضغط على نفسه والقبول بالأمر الواقع وأخذ استراحة بالنوم، وما إن حان منتصف الليل حتى تدفق جمع كبير من الناس للسكن كانوا في أعمالهم وبدؤوا بالتكلم بصوت عال، مما تسبب بمشكلة بينهم وبين شبان في إحدى الغرف.
يقول خالد “شعرت حينها أنّ الظرف يستحيل للتأقلم وسط هذه الجعجعة والصراخ من أشخاص بعضهم عديمي الأخلاق، فتسللت خارج البيت بحجّة الذهاب لشراء علبة سجائر، وأهيم من جديد في شوارع المدينة وحيداً فاقداً لأيّ طريق يوصلني إلى برّ الأمان، حتى وجدت نفسي في باحة أحد المساجد على مقعد خشبي أقصّ له آلامي وأحزاني.
قصة خبرية / طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع