يضع مسؤولو الري بالسودان أيديهم على قلوبهم، ليس فقط بسبب فيضان النيل، الذي يدمر البلدات على ضفافه؛ لكن خشية كارثة تهدد الخرطوم جراء ما يسمونه بـ”الفيضانات الخاطفة”، التي عانت منها العاصمة في فيضان 1988 المأساوي.
وطبقا لمدير وحدة الإنذار المبكر بوزارة الري والموارد المائية رضوان عبد الرحمن، فإن الفيضان الخاطف تحدثه أمطار غزيرة فوق المعدل خلال ذروة فيضان النيل.
ويقول للجزيرة نت إن هذا النوع من الفيضانات هو ما حدث يومي 4 و5 أغسطس/آب 1988، عندما هطلت أمطار بالخرطوم بلغت 200 ملمتر بينما كان النيل في ذروة بلغت 17.14 مترا.
والآن تقف العاصمة على كف عفريت، فمناسيب النيل -طبقا لنشرة وزارة الري والموارد المائية عند الخرطوم- في أعلى ذروة منذ قرن حيث سجلت اليوم الأحد 17.66 مترا، وينتظر أن تستمر هذه الذروة ليوم الاثنين بزيادة 4 سنتمترات.
وأعلن مجلس الأمن والدفاع السودان منطقة كوارث طبيعية، كما أعلن حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد لمدة 3 أشهر بعد مقتل 100 شخص، وانهيار 100 ألف منزل وتشريد مئات الآلاف من الأسر جراء الفيضانات والسيول.
احتمالات الكارثة
ويؤكد مسؤول الإنذار المبكر أنه في حال هطول أمطار فوق المعدلات بالخرطوم، فإنها ستكون أمام “كارثة” بحدوث فيضانات خاطفة؛ لكن الخبر الجيد أنه وطبقا لقراءات المناسيب في المحطات العليا بالديم على الحدود السودانية الإثيوبية يسجل النيل انخفاضا.
ويضيف أنه ووفقا لتنبؤات هيئة الإرصاد الجوية، فإنه تبعا لحركة الفاصل المداري لا يتوقع حدوث أمطار غزيرة.
لكن تبقى المخاوف قائمة حيث يشير رئيس الجمعية السودانية للأرصاد الجوية حسن محمد حسن الدومة في حديث للجزيرة نت إلى أن السودان يشهد تغيرا في نمط الأمطار كإحدى مظاهر التغير المناخي ما يعطي “قيما متطرفة” تتمثل في معدلات أمطار أعلى في أوقات ومناطق غير معهودة.
حماية ناقصة
ويستبعد مدير الإنذار المبكر تسبب سد النهضة في فيضانات النيل بالسودان رغم أن إثيوبيا خزنت في الملء الأول 3.5 مليارات متر مكعب بدلا عن المخطط “5 مليارات متر مكعب” في الفترة من 11 – 20 يوليو/تموز الماضي.
وبالرغم من أن خبراء سودانيين أفادوا في أوقات سابقة بأن سد النهضة يمكن أن يحمى السودان من الفيضانات، التي أصبحت ظاهرة سنوية؛ لكن رضوان يحذر من أن تلك الحماية ليست كاملة.
ويوضح أن السودان حتى الآن لا يطلع على بيانات التشغيل الخاصة بسد النهضة حتى يأمن الفيضان، ومن الممكن أن يخزن السد الإثيوبي إبان الفيضان 300 مليون متر مكعب يوميا ويصرف 500 مليون متر مكعب، مع أمطار غزيرة تتسبب في فيضانات خاطفة.
وينبه إلى أن معدلات عالية للأمطار تتسبب في فيضان قياسي كما حدث فوق الهضبة الإثيوبية يوم 2 سبتمبر/أيلول الحالي “200 ملمتر” ما دفع بإيراد قارب المليار متر مكعب في يوم واحد عند محطة الديم.
ويذكر أن مثل هذا الإيراد حدث مرة واحدة في السابق؛ لكن سد الرصيريص السوداني ومجرى النهر حينها لم يكونا ممتلئين مثلما حدث الآن.
إيرادات قياسية
وبحسب مدير وحدة الإنذار المبكر، فإن فيضان النيل الأزرق تجاوز خط الفيضان في 7 – 8 أغسطس/آب الفائت، وبدأ يسجل عند محطة الديم إيرادا يوميا بحجم فاق 900 مليون متر مكعب .
بينما الإيراد العادي في مثل هذه الأيام يبقى في حدود 609 مليون متر مكعب يوميا.
ويشير إلى أن الاجراءات التي اتخذتها السلطات تتمثل في تصريف المياه من سد الرصيرص بواقع 550 – 650 مليون متر مكعب يوميا دون الدخول في مجازفة تضر بسلامة السد حال حجز كميات أكبر، وتصريف مياه في حدود 400 مليون متر مكعب مثلا.
وأوضح رضوان أن ما يزيد الأمر خطورة هو أن أنهارا موسمية ترفد مجرى النيل الأزرق داخل الحدود السودانية مثل نهري الرهد والدندر حيث يبلغ متوسط إيراد الأخير في موسم الفيضان حوالي 500 مليون متر مكعب يوميا.
ويضيف أن هناك أيضا عددا كبيرا من الأودية التي يقارب بعضها الأنهار الموسمية من ناحية تدفق المياه، فضلا عن نهر عطبرة الذي يصب في نهر النيل عند مدينة عطبرة، نحو 310 كيلومتر (شمالي الخرطوم).
تحذيرات سابقة
ويحمل رئيس الجمعية السودانية للأرصاد الجوية الجهات المعنية المسؤولية لضعف استجابتها لتحذيرات منذ مايو/أيار الماضي أطلقتها هيئة الإرصاد الجوية الوطنية ومركز “إيقاد” للتوقعات المناخية بأمطار في السودان وإثيوبيا أعلى من الطبيعي.
ويقول إن هناك توقعات أيضا قبل أشهر أفادت بأن بحيرة فكتوريا التي ينبع منها النيل الأبيض ستشهد بدورها فيضانات هي الأعلى منذ 50 سنة.
وفاقم امتلاء خزان جبل أولياء على النيل الأبيض، 45 كيلومتر (جنوبي وسط الخرطوم)، من معاناة الضواحي الجنوبية للعاصمة مع الفيضان فضلا عن رفده مجرى نهر النيل الرئيسي عند اقترانه بالنيل الأزرق بالخرطوم.
ويقترح خططا طويلة المدى لمعالجة كوارث الفيضان منها ضرورة أن يُمنع السكن حول ضفاف النيل وعلى الأودية، إلى جانب تطوير تجهيز وأداء هيئة الإرصاد والدفاع المدني ووزارة الري من ناحية الموارد البشرية والتقنية.
ويؤكد أن التأرجح الكبير في معدلات الأمطار والفيضانات يحتاج إلى دراسات ونمذجة رياضية لتلافي آثارها المدمرة.
نقلا عن الجزيرة