بقلم: المحامي عبد المجيد محمد
في تاريخ ٨ أغسطس الجاري وفي اجتماع لبرلمان نظام الملالي تم عزل علي ربيعي وزير العمل في حكومة روحاني. بالنظر لتاريخ هذا المسؤول في حكومة الملالي الذي تعدى التسعة وثلاثين عاما فإن عزله سيؤدي بالفعل وأكثر من أي وقت مضى لاحتدام حدة الأزمات الداخلية وصراعات السلطة داخل هذا النظام الأمر الذي سيترتب عليه نتائج سياسية بالتزامن معه.
وانتهى الاجتماع المتوتر لبرلمان النظام بهذه الجملة المعبرة التي قالها علي لاريجاني: “هذا الكلام ليس جيدا وقد كان من الممكن عقد جلسة الاستجواب في البرلمان بشكل أفضل من هذا”.
إشارة علي لاريجاني لاتهامات علي ربيعي ونظرائه في مجلس النواب ضد نواب المجلس بشأن الفساد من جهة والتهم التي أثارتها عصابات خامنئي ضد علي ربيعي ومؤيديه وداعميه في البرلمان من جهة أخرى.
وقال علي ربيعي في خطاب له مدافعا عن نفسه: وزارة العمل هي وزارة حساسة للغاية ولايمكن لأي شخص هناك إدارتها ويجب أن يكون هناك شخص على رأس هذه الوزارة يمتلك استراتيجية مناسبة ويستطيع تخطي الأزمات الخلاقة التي تواجهها. وادعى أنه استطاع خلال فترة تواجده في وزارة العمل لجم وتخفيف أزمات هذه الوزارة ومنعها من أن تفيض وتتغلغل في المجتمع.
الحقيقة هي أن علي ربيعي يعتبر مسؤولا متعدد الوظائف والمهام في النظام حيث بعد انتصار الثورة المناهضة للحكم الملكي في عام ١٩٧٩ وبينما لم يكن عمره ٢٤ سنة شغل مناصب حساسة داخل العصابات الحكومية ولطالما كانت مناصب امنية واستخباراتية بنفس الوقت وقد أشار لهذا خلال خطابه الذي دافع فيه عن نفسه معتبرا أن تاريخه هو مصدر عز وافتخار ونقطة قوة له واعتبر نفسه (خادما للنظام) وكذلك اعتبر أن جلسة استجوابه في المجلس وعزله من منصب وزير العمل يعتبر أمر لايصب في مصلحة النظام.
بنظرة خاطفة للتاريخ الأمني والاستخباراتي لهذا المسؤول يتبين لنا لماذا يتمسك روحاني ببقائه في منصب وزير العمل:
وقد كان إلى جانب عضوين آخرين سيئي السمعة ومناهضين للعمال عضوا في المجلس المركزي للعمال. وظيفة هذا المجلس في الأساس قمع العمال فيما يتعلق بمطالبهم المحقة بما في ذلك ما يتعلق بأجورهم مقابل عملهم أيضا.
العديد من العمال تعرضوا للفصل من قبل هذا المجلس أو ألقي القبض عليه وإرسالهم إلى السجن وتعرضوا لتعذيب النظام. نظرية علي ربيعي هي أنه يجب على العامل التحرك في إطار النظام وما يحدده المرشد الأعلى.
علي ربيعي بصفته حرسيا كان له تواجد نشط وفعال في كل المجالات التي كانت تتضمن احتمال الخطر على النظام. كما أنه في حرب الثمان سنوات المدمرة مع العراق يملك ربيعي في سجله وتاريخه أنه أمضى مدة ٦٥ شهر علي الجبهات الغربية أثناء الحرب. وعندما قدم الملا روحاني هذا المسؤول الأمني الاستخباراتي لمنصب وزير العمل تم طرح هذا السؤال بأن شخصا يملك أكثر من ٣٠ سنة خبرة وتجربة في المجال الأمني والاستخباراتي ما هو التناسب أو الربط الموجود بينه وبين منصب وزارة العمل؟؟
حسن روحاني وأنثاء دفاعه عن ربيعي لتسليمه منصب وزير العمل يقول: أنه (أي ربيعي) شخص صاحب نظرية واذا قلنا بأننا يمكننا الاستفادة من فكره الاستراتيجي فإني لم أقل كلاما مبالغا فيه. ..
عندما كان الملا حسن روحاني أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي ، كان علي ربيعي الأمين التنفيذي ورئيس لجنة تخطيط السياسة في المجلس الأعلى للأمن القومي ، وكان روحاني راضيًا جدًا عن عمل ربيعي. وكان علي ربيعي النائب السياسي للهيئة الانتخابية لحملة الملا روحاني خلال فترة الانتخابات الرئاسية.
أحد الاجراءات المناهضة للعمال التي قام بها ربيعي تعود للوقت الذي كان فيه ربيعي مسؤول ورئيس تحرير صحيفة (العمل والعمال) وإلى جانب المسؤول السيئ السمعة في نظام الملالي والذي يدعى الحرسي حسين شريعتمداري (المدير المسؤول عن صحيفة كيهان المرتبطة بخامنئي) أقدم ربيعي على استحداث تشكيل جديد مرتبط بالمراسلين والصحفيين ذوو الفكر الأمني. وخلال تنظيره لهذا العمل يقول ربيعي: يجب علينا إستحداث تشكيلات ومنظمات نقابية بأنفسنا لمنع العمال من التواصل مع المنظمات السياسية والحزبية.
ربيعي منذ الثمانينيات كان في الأعمال الاستخباراتية وبعدها عمل في وزارة الاستخبارات. وتسلم مسؤولية مخابرات قوات الحرس في المناطق الشمالية من إيران وأيضا مسؤولية مخابرات أذربيجان الشرقية وأيضا خلال فترة تسلم محمد ري شهري وعلي فلاحيان للوزراة منذ عام ١٩٨٧ حتى ١٩٩٥ تسلم منصب نائب وزير الاستخبارات لمدة ثمان سنوات.
فيما يتعلق بعمليات القتل المتسلسلة التي كانت من تخطيط وتنفيذ وزارة المخابرات بشكل تام. هذا الشخص وبأمر من محمد خاتمي بصفته رئيسا مؤقتا أصبح مسؤول لجنة مكونة من ثلاث أشخاص للتحقيق في عمليات القتل هذه وذلك بسبب مهاراته الخاصة في محو آثار الجريمة وعدم إبقاء أي أثر للجانيين فيها.
الاسم المستعار لعلي ربيعي في وزارة الاستخبارات والتحقيق والأعمال الأمنية كان «عباد». في نفس هذا السياق كتب عبد الله شهبازي مسؤول مركز أبحاث التاريخ المعاصر المرتبط بوزراة الاستخبارات في موقعه: علي ربيعي (عباد) وبكل دم بارد وبطريقة فكاهية ساخرة سرد لي أحد ذكرياته وقال : ” ألقينا القبض على عدد من أعضاء مجموعة في منطقة اذربيجان وكان يتوجب علينا إحضارهم إلى منطقة غيلان من طريق آستارا. ومن أجل انجاز هذا العمل لم يكن لدينا العدد الكافي من الحراس والعناصر لذلك قمنا بوضعهم جميعهم في التابوت وثقبنا التوابيت بالمسامير وأرسلناهم بالشاحنات. عندما وصلت التوابيت إلى مقصدها كان قد ماتوا جميعهم بسبب الاختناق”!!
أحد القضايا الأخرى التي أشار إليها ربيعي نفسه في جلسه استجوابه كأزمات حادة للنظام وطلب الصفح من ناجين هذه الأزمات كانت التغطية على حدث انهيار مبنى بلاسكو في تاريخ ١٩ يناير ٢٠١٧ في طهران واحتراق وغرق ناقلة النفط الكبيرة سانتشي في تاريخ ٦ يناير ٢٠١٨ في مياه بحر الصين وموت جميع أفراد طاقم هذه الناقلة العظيمة حيث قد اعتذاره للناجين في هذه القضايا وطلب منهم الصفح والمغفرة.
عزل هذا المسؤول الحكومي ذو الباع و التاريخ الطويل لم يكن مطلب خامنئي وروحاني وتم فرض الأوضاع الانفجارية للمجتمع عليه. التوترات والمشادات التي حصلت في جلسة استجواب ربيعي تذكرنا بآخر جلسات برلمان نظام الشاه في عام ١٩٧٨. حيث أيضا أجبر الشاه في فترات حكمه الأخيرة على التضحية بأقرب المسؤولين إليه والآن ولي فقيه الفاشية الدينية الحاكمة في إيران مجبور بالقيام ببعض العمليات الجراحية لعله يتمكن (كما يقول الشعر العربي: من ردج الأيام يا صاح درج = ومن العمود إلى العمود فرج). من إيجاد طريق فرار ولو بشكل مؤقت للخروج من الأزمات والمآزق التي وقع بها.
لكن هذه الأفعال ليس نهاية ما حدث بل بداية لما سيحدث ويحدث والذي سيتنهي بسقوط نظام ولاية الفقيه.
صحيفة اعتماد المقربة من الملا روحاني اعتبرت أن استجواب ربيعي كان ”أشد مرارة من الاستجواب“ وصحيفة الجمهورية الإسلامية وصفت استجواب ربيعي بـ”استجواب البرلمان“.
أحد نواب برلمان النظام قال: “إن ما حدث في هذه الجلسة ليس استجوابا لوزير العمل بل استجواب للنظام بأكمله”.
وقال نائب آخر: “للأسف لم نشهد اليوم استجوابا لوزير واحد بل استجوابا لثلاث قوى في البلاد. لم يسع البرلمان إلى توحيد وتعزيز النظام بل زادت الفجوة بين الناس والحكومة”.
الحقيقة هي أن الانتفاضة الشعبية التي بدأت في ديسمبر الماضي وتستمر الآن أيضا قد قربت من توقعات نهاية الدكتاتورية الدينية. كما ردد الشعب المنتفض في شعاراته التي جاب صداها جميع أنحاء البلاد: الموت لخامنئي والموت لروحاني والموت لمبدأ ولاية الفقيه و شعار ويل لكم من اليوم الذي تسلحنا فيه.
نعم وكما قالت السيدة مريم رجوي في التجمع السنوي للمقاومة الإيرانية الذي عقد في ٣٠ حزيران: “التوترات والنزاعات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الغلاء والبطالة والفقر واللامساواة قد وصلت لنقطة اللاعودة. الموقف الانفجاري يشعر به الجميع. الملالي لايمكلون طريقا للحل ولا يريدون ولا يستطيعون حل المشاكل العالقة. لقد تحقق الارتباط بين غضب المحرومين والمظلومين مع المقاومة المنظمة. هذا ما أشار له جميع رؤوس ومسؤولي هذا النظام الصغار منهم والكبار. وهذا هو إقرار منهم بنهاية عمل وصلاحية هذا النظام.
نعم؛ السقوط قادم”.