لا يظهر أن حديث السعودية عن إرسال قوات برية إلى سورية، لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) مجرد “قوقعة” إعلامية كما يُخمّن محللون، إذ تبدو الرياض مصرّة أكثر من أي وقت مضى، على تأكيد اقتراحها، المفترض أن يتواصل النقاش بشأنه، اليوم الأربعاء، وغداً الخميس، في قمة حلف شمال الأطلسي، في العاصمة البلجيكية بروكسل.
يمكن قراءة تداعيات إعلان السعودية استعدادها إرسال قوات برية إلى سورية، لمحاربة “داعش”، كتحوّل في طريقة السعودية لمقاربة الأوضاع في المنطقة، لا تغيّر في جوهر سياساتها، إذ يُمكن للرياض أن تواجه طهران، وتعيد الاستقرار إلى المنطقة، من خلال محاربة الإرهاب أيضاً.
مع العلم أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قد جدّد، يوم الاثنين، من واشنطن، استعداد الرياض لإرسال قوات برية خاصة، ضمن التحالف الدولي، إلى سورية لمحاربة “داعش”. وأكد الجبير أنه ناقش هذا الأمر مع المسؤولين الأميركيين في وزارة الخارجية، تاركاً تحديد أعداد هذه القوات ونوعيتها للمتخصصين. كما أشار في السياق إلى ترحيب الأميركيين بالعرض السعودي، وإلى أن قيادة التحالف ستكون أميركية، بمشاركة سعودية فاعلة.
لفت الجبير، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الأميركي، جون كيري، إلى أهمية “إعادة الاستقرار إلى المنطقة قبل أن تصل الاضطرابات إلينا جميعاً”، مشيراً إلى “عزم السعودية التعاون مع حلفائها في سبيل هذا الأمر، خصوصاً الولايات المتحدة”. واعتبر أن “محاربة الإرهاب، وإيجاد حل سياسي في سورية، والقضية الفلسطينية، أهم القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط”.
غاب بشكل لافت، الحديث عن إيران، في المؤتمر الصحافي بين الجبير وكيري، مما قد يفتح باب التساؤلات حول الطريقة التي تريد السعودية من خلالها مقاربة العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، بعد الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الدولية، مما قد يكون مؤشراً على توجه السياسة السعودية في التعامل مع الولايات المتحدة، في مواجهة تدخلات إيران في المنطقة.
بالتالي لم تعد السعودية تعوّل كثيراً، على ما يبدو، على الأميركيين لدعمها ضد الإيرانيين، لذا تحاول أن تكسب دعماً لسياساتها في المنطقة، من خلال محاربة الإرهاب. علماً أن هذه التطورات تأتي بعد قرابة الأسبوع، من إعلان العميد أحمد عسيري، المستشار في وزارة الدفاع، عن استعداد السعودية للمشاركة بقوات برية لمواجهة “داعش”، في تصريح أثار ردود فعل دولية متباينة.
التصريحات المتكررة التي تصدر عن مسؤولين سعوديين، حول تضرر المملكة من الإرهاب، لا سيما تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، ليست للاستهلاك الإعلامي كما تؤكد دوائر إيرانية، والمحيطون بها، الذين يتهمون الرياض بـ”تمويل تنظيمات إرهابية في العراق وسورية”، بشكل يبدو عبثياً ولا يتجاوز المساجلات الإعلامية الدعائية.
للسعودية تاريخ دموي ضد تنظيم “القاعدة”، خصوصاً الفترة ما بين عامي 2003 و2006، حين نجحت الرياض في محاصرة التنظيم والقضاء عليه، بعد ارتكابه مجموعة من التفجيرات في مجمعات سكنية يقطنها أجانب، بالإضافة إلى استهداف رجال أمن، ثم تفجير مبنى الأمن العام في الرياض. كانت تلك الأجواء في السعودية تشبه أجواء حرب حقيقية، ويُنظر إليها على نطاق واسع كحرب ناجحة، قادها ولي العهد الحالي، ووزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف.
أما “داعش”، فهو الحاضر الدموي في السعودية، لا التاريخ، إذ أعلن التنظيم مسؤوليته عن استهداف مساجد شرقي المملكة منذ أواخر عام 2014 وعلى امتداد عام 2015، حتى الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى مسجد لقوات الطوارئ في منطقة عسير، جنوب المملكة. كما تمّ تفجير سيارة أحد المواطنين في الرياض، يوم الاثنين، بهجومّ تبنّاه “داعش” من دون توضيح ملابساته. كل هذه الأحداث تجعل مواجهة السعودية لتنظيم “داعش” أمراً ملحاً وضرورياً للرياض، بغض النظر عن الضغوطات الدولية.
هذا السياق للعمليات الإرهابية في السعودية، يتيح للرياض الذهاب بعيداً في مواجهة التنظيم، أكان على صعيد الرأي العام المحلي، أو التفاهمات السياسية الدولية. بالتالي، لن يُنظر إلى مشاركة السعودية في محاربة تنظيم “داعش” بشكل سلبي، ويمكن تحقيق إجماع حولها.
صحيح أن جهود المملكة في مقاربة الثورة السورية، مدعومة محلياً بصورة كبيرة، وحتى لو أعلنت السعودية عن مشاركة عسكرية لإسقاط نظام الرئيس، بشار الأسد، فلن يقل هذا الدعم، على الأرجح، على غرار مساندة عمليات قوات التحالف العربي في اليمن. إلا أنه لم يكن من المتخيل اتخاذ خطوة سعودية بهذا الاتجاه، على الرغم من التلويح الدائم للجبير، أن “رحيل الأسد سيتمّ سياسياً أو عسكرياً”، وتركه الخيارات العسكرية مفتوحة من دون تحديد، إذ إن هناك كثيراً من المعوقات الدولية، تقف ضد أي “نوايا” للسعودية في هذا الاتجاه.
انسداد الأفق السوري بعد محادثات جنيف، بالإضافة إلى التقارب الإيراني مع الولايات المتحدة ودول أوروبية، تحديداً فرنسا وألمانيا، يجعل التصعيد السعودي تجاه إيران في الآونة الأخيرة، خصوصاً في سورية، غير مرغوب فيه دولياً، لا سيما بعد قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، ومحاولة عزلها عربياً، ونجحت الرياض جزئياً في هذا المسعى. كما تحوّل الملف السوري، بعد التدخل الروسي، من كونه مشكلة إقليمية، إلى قضية دولية، يتم التداول بشأنها بين موسكو وواشنطن.
الدول الكبرى ما زالت تحاول إعادة تأهيل النظام الإيراني دولياً، ولا تريد أن تفسد الاتفاق النووي، الذي يعتبر إنجازاً شخصياً للرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي تنتهي ولايته نهاية العام الجاري. مضى أوباما في الاتفاق النووي، على الرغم من معارضة حلفاء واشنطن في المنطقة له، مما جعل المشهد في المنطقة أكثر تعقيداً.
من جهة أخرى، يظهر أن هناك محاولات تأهيل النظام السوري، باعتباره يملك كتلة عسكرية ومليشيات يمكن أن تحارب تنظيم “داعش”، في ظل رؤية الولايات المتحدة إلى المعارضة السورية كـ”شريك غير موثوق”.
هذا السياق، قد يؤدي إلى إعادة الرياض بناء مقاربتها للأوضاع في المنطقة، فبدلاً عن استمرارها في دعم المعارضة السورية، من أجل إسقاط الأسد وإعادة الاستقرار إلى سورية، ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة العربية بدءاً من دمشق، قد تتحول لفرض أجندتها من خلال محاربة الإرهاب، الذي يكتسب أولوية محلية من جهة، وقبولاً دولياً من جهة أخرى.
تعني محاربة الإرهاب في هذه اللحظة في المنطقة، مواجهة النفوذ الإيراني، إذا ما تمكنت الرياض من تقوية المعارضة السورية، ومسلحي العشائر في العراق في مواجهة “داعش”. بالتالي تصبح هذه المجموعات المناوئة لإيران، حليفاً دائماً للسعودية ومؤيدة لسياساتها في المنطقة. يعود السبب إلى أن لهذه المجموعات عداء جذرياً مع إيران، بسبب دعمها خصومهم خلال السنوات الماضية، سواء كانت مليشيات الحشد الشعبي العراقية، أو نظام الأسد والمليشيات، التي يجلبها الحرس الثوري الإيراني من أفغانستان والعراق، بالإضافة إلى عناصر حزب الله من لبنان.
العربي الجديد