عرفت سوريا منذ القدم بصناعاتها الحرفية المتميزة وفي مقدمتها صناعة السجاد اليدوي، وهي عبارة عن لوحات فنية مصنوعة بدقة وإتقان ومزركشة بأجمل الألوان لتزين البيت السوري وتعطيه دفء الشتاء.
تمثل الصناعات الحرفية بما فيها صناعة السجاد حضارة سوريا العريقة قبل أن تندثر معظمها لأسباب عدة على رأسها ارتفاع تكاليف إنتاجها وتسويقها وهجرة معظم الحرفيين المهرة ممن يمتازوا بالذوق الرفيع أو ما يسمون “شيوخ الكار” خارج سوريا بحثا عن الأمان المفقود في بلادهم، فضلا عن انتشار البدائل من السجاد الصناعي والموكيت الذي لاقى رواجا كبيرا بسبب رخص ثمنه بالمقارنة مع السجاد اليدوي.
تشتهر المدن الريفية السورية بصناعة السجاد فلا يكاد يخلو بيت ريفي منها، أبو عثمان من ريف حلب يقول:” الجلوس وراء النول شغفي منذ الصغر، كنت أراقب والدي وهو يعمل وأنتظره بشوق لينهي صنع السجادة، ورثت عنه هذا الفن المبدع، صنعت أشكالا وتصاميم مختلفة كرسمة الزي الشعبي في المحافظات السورية فكانت العادة أن تعلق على الحائط كأي لوحة تجذب الأنظار، للأسف لم يعد بوسعي العمل لتراجع بصري وضعف الإقبال لشراء منتوجاتي”.
قامت حكومة النظام في أواخر القرن الماضي بإنشاء مراكز لتعليم صناعة السجاد اليدوي في القرى والمدن الصغيرة واستقطبت أعدادا كبيرة غالبيتهم من النساء لتصبح حرفة نسائية بامتياز، لكن ما لبثت أن انقرضت من جديد مع بقاء بعض منها كمركز الرحيبة في ريف دمشق.
أم محمود نازحة من ريف حلب:” كنت أعمل في ورشة لصناعة السجاد لكن بسبب قصف قوات النظام قريتنا دمرت بيوتنا بما فيها الورشة، نزحت إلى ريف ادلب مع عائلتي وقررت بدء مشروع حرفي صغير وهو عبارة عن تجميع الخيوط الصوفية لاستخدامها في حياكة البسط بأسعار بسيطة وبربح قليل”.
نتيجة لحياة المخيمات المملة قامت مجموعة من اللاجئات السوريات في مخيم أديامان التركي بتحويل خيمة لورشة لصناعة السجاد، حيث أمدت إدارة المخيم النسوة المشاركة في الورشة بالأنوال والمعدات الأخرى بإشراف معلمة تركية لتباشرن بعد أسابيع بصناعة سجاد يتصف بالجودة والتصاميم الفريدة .
لبنى عاملة في الورشة:” فقدت عائلتي بأحد براميل النظام عشت بعدها حالة من الاكتئاب المزمن لأجد نفسي تائهة فكان العمل في الورشة خير منقذ لي من الضياع، بعد أن تعلمت الحياكة على النول وأصبحت ماهرة في صنع السجاد اليدوي وهي حرفة أعتز بها، وغدوت أبيع السجاد الذي أصنعه لأعيش حياة كريمة “.
و تبقى بعض الصناعات المهددة بالانقراض شاهدا على تراث وثقافة السوريين ،لتتحول الأنسجة فيما بعد إلى سجادة تمتاز بالإتقان والجودة، صحيح أنها صناعة يدوية إلا أن ﻷصحابها قصص لو عرضت على التاريخ لدخلته من أوسع أيوابه، في وقت كان السياح قبل الأزمة يتهافتون لاقتناء تلك التحف التي صنعت بأنامل سورية مبدعة.
المركز الصحفي السوري – سماح خالد