مع مرور كل يوم، تزداد العلاقات التركية الأوروبية تدهورًا وانزلاقًا نحو طريقٍ مسدود. وفي حين ترفض أنقرة ابتدار عملية المصالحة، لا يظهر الاتحاد الأوروبي أي تحركٍ ملموس لرتق الفتق القائم.
لقد تعددت الأسباب التي أدت إلى هذا الانكماش في العلاقات التي لطالما صُنفت على أنها الأقوى بالنسبة لتركيا، غير أن السبب الأساسي وراء ذلك فُسر على أنه خشية أوروبية إزاء مسعى تركيا لتغيير توازن القوى في المنطقة من خلال إحداث تعاونات عسكرية متينة مع روسيا والصين اللتين يعتبرهم الاتحاد الأوروبي الفاعليّن الأكثر خطورةً على المصالح الأوروبية الاستراتيجية.
وبيد أن المتابعين للشأن التركي رأوا أن الشك لا يساور أحد في إمكانية عودة العلاقات الأوروبية ـ التركية إلى مجراها الطبيعي بعد انتهاء عملية الاستفتاء التركية، عاد الرئيس أردوغان ليؤكد على استمرار حالة التوتر بين بلاده والاتحاد الأوروبي، عبر التأكيد، في كلمته خلال مؤتمر حزب العدالة والتنمية لإعادة انتخابه رئيسًا، الأحد 21 أيار/ مايو 2017، على أن “بلاده غير مرغمة على تحمل نفاق الاتحاد الأوروبي، بعد أن وصل الأمر بهم لضرب كرامة تركيا وشعبها بعرض الحائط”.
في سياق مواظبة أردوغان على إبداء التوجه السلبي حيال الاتحاد الأوروبي، ما هو السبيل الذي يمكن أن يجمع الطرفين من جديد؟
لتحديد هذا السبيل بشكله الأقرب للصواب، لا بد من الركون إلى مطالب الطرفين البارزة والكامنة. فعلى الصعيد التركي تتلخص مطالب أو شروط تركيا، المعلنة وغير المعلنة، لإعادة الوصل مع الاتحاد الأوروبي، في مطالبة الاتحاد الأوروبي بتطبيق شروط اتفاق إنهاء أزمة اللاجئين المتضمنة إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول، وإرسال المساعدات إلى اللاجئين الموجودين في سوريا، وإزالة العراقيل أمام مفاوضات العضوية، بالإضافة إلى المطالبة بتخفيف الاتحاد الأوروبي تصريحات التي تُظهر تركيا على أنها “حديقة خلفية” له، لا سيما في ظل المرمى التركي لإبراز تركيا على أنها “دولة إقليمية صانعة للسياسيات وليست مُوجهة من قبل الآخر”.
وإلى جانب ذلك، لا يغرب عن البال الرغبة التركية في رفع دول الاتحاد الأوروبي الفاعلة في الأزمات الإقليمية، كألمانيا وفرنسا، مساندتها للرؤية التركية، وخفض دعمها السياسي والعسكري المُقدم لوحدات الحماية الكردية. ويبدو أن هذه هي النقطة الأساسية التي تريد تركيا تحقيقها، بعد فشلها في إقناع الإدارة الأمريكية بالتعاون معها عوضًا عن التعاون مع وحدات الحماية الكردية. وعلى الأرجح، تمارس تركيا في هذا الإطار سياسة الضغط لإحراز ما ترنو إليه.
وعلى الصعيد الأوروبي، نرى أن الاتحاد الأوروبي يسوق شروطًا، وفق رؤيته، تحمي تركيا من الانزلاق في مستنقع “السلطوية”، وفيما نستطيع الادعاء أن تخوف الاتحاد الأوروبي من توجه تركيا نحو القطب الروسي الصيني، هو العامل الأساسي في إظهار التعنت حيال تركيا، يُشير رئيس مجموعة الديمقراطيين والاشتراكيين في البرلمان الأوروبي، غياني بيتالا، إلى أن الاتحاد الأوربي يرغب في إبقاء تركيا على صلة وثيقة معه، ولكن يجب على تركيا إجراء إصلاحات مبدئية تُظهر نيتها في دفع عجلة التقارب، مبينًا أن تخلي رئيس الجمهورية عن تعيين بعض أعضاء لجنة القضاة والمدعين العامين العليا، وإلغاء مادة توجه الرئيس نحو انتخابات برلمانية عبر فسخ البرلمان وإعلان استقالته، وإجراء تعديلات على مادة إصدار الرئيس القرارات التنفيذية، هي الخطوات الفعلية التي يمكن أن تساهم في إعادة الصلة التوافقية. ولا بد من أخذ هذه المطالب على أنها مطالب الاتحاد الأوروبي، فمجموعة الديمقراطيين والاشتراكيين تُعد المجموعة الثانية الأكبر في البرلمان الأوروبي.
ومن منطلق هذه المواد، نلمس مربط الفرس في الخلاف القائم بين الطرفين، فالاتحاد الأوروبي يضع شروطًا يرى على أنها ضرورية لإعادة العلاقات التركية الأوروبية إلى حالها السابق، وتركيا تُقيم هذه الشروط على أنها تدخلات مباشرة في شؤونها الداخلية. ويبدو أن رفع تركيا والاتحاد الأوروبي مستوى التعاون السياسي والعسكرين المشترك من خلال تخفيف تركيا مستوى تعاونها العسكري مع روسيا والصين، وتخفيف أو تخلي الاتحاد الأوروبي عن دعم وحدات الحماية الكردية، قد يساهمان في تخفيف حدة التوتر بين الطرفين.
جلال سلمي – ترك برس