تسير الولايات المتحدة وتركيا نحو تصادم محتمل في مدينة الرقة، حيث يحذر المسؤولون الأتراك من أن اعتماد واشنطن على القوات الكردية لتحرير عاصمة تنظيم داعش سيضر بشدة بعلاقاتها مع أنقرة.
تعتمد الخطة الأمريكية للتقدم نحو الرقة اعتمادا كبيرا على وحدات الحماية الكردية، وهي ميليشيات كردية دعمتها واشنطن بضربات جوية على داعش وقدمت لها معدات عسكرية. لكن المسؤولين الأتراك يتهمون هذه الميليشيا بأنها اسم آخر لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه واشنطن وأنقرة منظمة إرهابية، ويخوض الحزب حرب عصابات طويلة ضد تركيا. ويقول المسؤولون الأتراك أن حزب العمال الكردستاني استخدم الأراضي التي تحتلها وحدات حماية الشعب في سوريا بدعم من الولايات المتحدة لتدريب مقاتليها والتخطيط لهجمات ضد تركيا.
قال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم لمجموعة من الصحفيين الزائرين هذا الشهر: “إذا أصرت الولايات المتحدة على تنفيذ هذه العملية مع المنظمات الإرهابية، فإن علاقاتنا سوف تتضرر، وهذا واضح”. وأضاف: “ستثبت أمريكا بذلك أنها تقدر المنظمات الإرهابية أكثر منا”.
رفض المسؤولون الأتراك مرارا وتكرارا تحديد الخطوات التي يمكنهم اتخاذها إذا حافظت واشنطن على تحالفها مع وحدات حماية الشعب، لكن أنقرة يمكنها، إن أرادت، أن تسبب مشاكل كبيرة لاستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة. ومن ذلك على سبيل المثال، قطع الوصول إلى القواعد الجوية في جنوب تركيا التي تطلق منها الولايات المتحدة غارات جوية في سوريا والعراق، أو بتعميق تعاونها مع روسيا.
تنشغل إدارة الرئيس، دونالد ترامب، حاليا في نقاش مكثف حول ما إذا كانت ستستمر في دعم تقدم القوات الكردية على الرقة، أو تحويل الدعم الأمريكي لتركيا وحلفائها. ويرى كبار القادة الأمريكيين أن الأكراد هم مقاتلون متفوقون وأنهم الخيار الوحيد القادر على الإطاحة بداعش، ويشككون في اقتراح تركيا استبعاد الأكراد تماما، والسماح للقوات التركية وقوة عربية سورية تدعمها أنقرة باستعادة معاقل داعش بمساعدة الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تحسب فيه إدارة ترامب خياراتها، فإن الجيش الأمريكي يرفع وتيرة الاستعداد من أجل الهجوم، ويضع خططا لنشر ما يصل إلى 100 جندي أمريكي إضافي في سوريا لدعم وحدات حماية الشعب وقوات التحالف المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تقدمت ميلا فقط إلى المدينة. ويقدر مسؤولو البنتاغون أن قرابة 27 ألف كردي في قوات قسد التي يبلغ قوامها 50 ألف جندي هم أكثر المقاتلين فاعلية وخبرة.
وقال إريك باهون، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية: “إن قوات قسد هي الشريك الأكثر قدرة على التصرف بسرعة لعزل الرقة”.
وأضاف باهون إن غالبية قوات سوريا الديمقراطية التي تقوم حاليا بعزل الرقة تتكون من مقاتلين عرب سوريين، من بينهم وحدة كبيرة تنطلق من المنطقة المحيطة بالمدينة. وقال: “في الوقت الذي تُعزل فيه الرقة، سنواصل التخطيط للمراحل اللاحقة مع حلفائنا وشركائنا، بما في ذلك تركيا، لكننا لم تتخذ أي قرارات حول القوة التي ستستخدم لتحرير المدينة”.
بالنسبة إلى تركيا، فإن هذه ليست مجرد مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية. ويقول المسؤولون الأتراك إن الولايات المتحدة بدعمها لوحدات حماية الشعب، تقوض أمن تركيا الداخلي مباشرة.
وقال إبراهيم كالن، مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان، للسياسة الخارجية: “لدينا أدلة تثبت وجود صلة واضحة بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا”. وأضاف أن “بعض الانتحاريين الذين نفذوا هجمات في تركيا العام الماضي تلقوا تدريبا في منطقة تخضع لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية”.
ألقت تركيا باللائمة في تفجير سيارة في فبراير/ شباط 2016 في أنقرة على مقاتل تدرب في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، وقصفت تركيا مواقع الميليشيات في سوريا انتقاما للحادث. كما ذكرت ورقة صادرة عن مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت” في العام الماضي أن أحد فروع حزب العمال الكردستاني كان يستخدم الأراضي التي تحتلها وحدات حماية الشعب باعتبارها “منصة انطلاق رئيسة” للهجمات في تركيا.
يناقش المسؤولون الأمريكيون هذه الادعاءات، ويؤكد الجيش الأمريكي أن القوة الكردية السورية لا تشكل تهديدا لتركيا. وفى الوقت نفسه قال باهون إن واشنطن “ستواصل دعم تركيا فى حربها ضد حزب العمال الكردستاني”.
وقد شارك مسؤولون حاليون وسابقون آخرون في نقاش طويل الأمد حول الدور التركي في سوريا، وحكمة الاعتماد على وحدات حماية الشعب. وقال ديريك شوليت، الذي شغل منصب مساعد وزير الدفاع في إدارة الرئيس باراك أوباما، إنه عمل “باستمرار من أجل توحيد مواقف الولايات المتحدة وتركيا، ولكنه لم يتمكن قط من تخفيف مخاوف أنقرة بشأن وحدات حماية الشعب”.
وأضاف شوليت “أن الولايات المتحدة لا تشاطر أردوغان وجهة نظره بأن الأكراد السوريين وحزب العمال الكردستاني هما شيء واحد”، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة ترى الأكراد السوريين شركاء جيدين، لكن المسؤولين الأتراك يشعرون بالغضب من تعاوننا مع الأكراد”.
في المقابل يقر فريد هوف الذي شغل منصب مبعوث الرئيس أوباما الخاص إلى سوريا في عام 2012 بمصداقية المطالب التركية بعد عمله لمدة طويلة في هذه القضية، وقال: “إن وحدات حماية الشعب هي في الأساس التابعة السورية لحزب العمال الكردستاني”. ويوجه هوف اللوم إلى إدارة أوباما لعدم إدراج أنقرة في استراتيجيتها السورية، قائلا: “لم تكن هناك مجرد محاولة قوية لبناء علاقة وثقة مع تركيا”.
لكن شوليت وهوف يحذران من أن إدارة ترامب قد لا يكون لديها ترف الوقت. فعندما كان ترامب مرشحا للرئاسة انتقد نهج إدارة أوباما في الحرب على تنظيم الدولة “داعش”، ووعد بـ”صب حمم الجحيم على الجماعة الجهادية”.
وقال شوليت الذي عمل مستشارا لحملة هيلاري كلينتون: “إذا كان على ترامب أن ينتظر حتى التوصل إلى حل بديل من أجل إرضاء الأتراك بشكل أفضل، فسيكون من الصعب عليه تفسير كيف ينسجم هذا مع خطاب حملته الانتخابية”.
وأشار هوف الى أنه كلما طال انتظار المسؤولين الأمريكيين لشن هجوم على الرقة، اضطرت قيادة تنظيم داعش إلى شن المزيد من الهجمات ضد الغرب. ويقول: “كم نظن أننا محظوظون؟! فالرقة هي المكان الذي خططت فيه العمليات التفجيرية في باريس وبروكسل وأجزاء مختلفة من تركيا”.
ولكن حتى لو قررت الولايات المتحدة في النهاية دعم هجوم قوات سوريا الديمقراطية على الرقة، فإن النزاع مع تركيا قد يعرقل الهجوم. حاولت القوات التركية وحلفاؤها السوريون أخيرا التقدم باتجاه بلدة منبج، غرب الرقة، كخطوة تالية في حملتها لطرد القوات الكردية بعيدا عن حدودها. ويحذر مسؤولون في الائتلاف الذي يقوده الأكراد من أنهم قد يحتاجون إلى تحويل القوات بعيدا عن الرقة، إذا ما تصاعدت التوترات مع أنقرة.
وقالت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديوقراطية: “إن الوضع أصبح معقدا للغاية، ونحن على وشك حرب شرسة”. وأضافت: “ما زلنا نتلقى دعما من الأمريكيين لكن إذا استمرت الهجمات التركية، فلن نتمكن من تركيز جهودنا على الرقة”.
وقد دفعت المعركة التي خاضتها الميليشيات الكردية مع تركيا إلى مواصلة تقاربها المبدئي مع الرئيس السوري بشار الأسد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، دعت هذه الجماعات الحكومة السورية للسيطرة على عدة قرى بالقرب من خط المواجهة مع تركيا.
وعلى الجانب الآخر من خطوط المعركة السورية، يستعد أبو وليد، وهو قائد كتائب السلطان مراد التي تدعمها تركيا، للحرب المقبلة مع القوات الكردية. وهو يتكلم بحرارة عن “الموقف التاريخي” الذي اتخذته تركيا لصالح الانتفاضة السورية، قائلا إنها “الدولة الوحيدة التي تساند الجيش السوري الحر”.
يراقب أبو وليد السياسة الدولية بحرص بالغ، حيث يعلم أنها قد تعني الفرق بين النصر والهزيمة. لكنه يعتقد أن قواته ستزحف نحو الرقة، سواء كانت واشنطن تحب ذلك أم لا.
ويقر أبو وليد بأن المعركة ستكون أسهل إذا وقفت الولايات المتحدة إلى جانبه. ويسترجع بحنين الأيام التي تلقى فيها لواؤه الدعم الأمريكي، معربا عن حيرته حول سبب انتهاء الشراكة. ويقول: “كان لدينا فريق جيد جدا للبنتاغون. بقينا معا، أكلنا وشربنا معا، ورأوا معاناة شعبنا هنا، ثم قالوا إنهم يريدون المغادرة، قلنا لا مشكلة، ورحلوا… وحصلوا على فريق جديد، لم يضمونا إليه، ويا للأسف، لقد ذهبوا إلى حزب العمال الكردستاني”.
ترك برس