مسلمون استوطنوا شمالي إقليم راخين (أراكان سابقا)، وبدأت معاناتهم مع الاحتلال البريطاني الذي حرّض البوذيين على قتلهم وتعذيبهم، واستمرت المعاناة عقودا، واعترفت الأمم المتحدة بمآسيهم لكنها لم تتحرك لإنقاذهم.
حقوق منتهكة
تعرض مسلمو الروهينغا في ميانمار (بورما) على مدى عقود لانتهاكات جسمية لحقوقهم، شملت حرمانهم من حق المواطنة، وتعريضهم للتطهير العرقي، والتقتيل، والاغتصاب، والتهجير الجماعي.
بدأت هذه الممارسات ضد الروهينغا -الذين استوطنوا بكثافة شمالي إقليم راخين (أراكان سابقا)- في عهد الاستعمار البريطاني الذي قام بتحريض البوذيين وأمدهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام 1942 ففتكوا خلالها بالآلاف.
وبعد أن نالت ميانمار استقلالها عن بريطانيا عام 1948، تعرض الروهينغا لأبشع أنواع القمع والتعذيب، وتواصل هذا الجحيم بموجب قانون الجنسية الصادر عام 19822، الذي انتهك المبادئ المتعارف عليها دولياً بنصه على تجريد الروهينغا ظلماً من حقوقهم في المواطنة.
وترتب على هذا القانون حرمان مسلمي الروهينغا من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما حرمهم من حق التصويت في الانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة الأنشطة السياسية.
وفرضت الحكومات المتعاقبة في ميانمار ضرائب باهظة على المسلمين، ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، إضافة إلى تكبيلهم بقيود تحد من تنقلهم وسفرهم وحتى زواجهم، كما أشارت تقارير إلى أن السلطات قامت عام 1988 بإنشاء ما يسمى “القرى النموذجية” في شمالي راخين، حتى يتسنّى تشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق بدلا من المسلمين.
حرب دينية
ولم يكن الجانب الديني والعقائدي بمنأى عن تلك الإجراءات القمعية، حيث تشير تقارير إلى قيام سلطات ميانمار بهدم مساجد ومدارس دينية في المناطق التي يقطنها الروهينغا، إضافة إلى منع استخدام مكبرات الصوت لإطلاق أذان الصلاة، ومنعهم من أداء فريضة الحجّ باستثناء قلة من الأفراد.
ولا تكاد السلطات تترك فرصة تمرّ دون أن تستغلها للتنكيل بالمسلمين، ففي مايو/أيار 2012 نُكل بالمسلمين بعد اتهامهم بالوقوف وراء حادثة اغتصاب وقتل امرأة بوذية، حيث اعتقلت الشرطة ثلاثة منهم، وتبع ذلك مطاردات وهجمات أسفرت عن مقتل العشرات من المسلمين في موجة العنف التي اندلعت بعد الحادث.
وحسب ما ذكرت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وقتها، فإن قوات الأمن في ميانمار نفذت اعتقالات جماعية بحق المسلمين ودمرت آلاف المنازل، وحاول النازحون الهرب عبر نهر ناف إلى بنغلاديش المجاورة، وتوفي البعض أثناء العبور.
مع العلم أن السلطات لا تقدم أرقاما دقيقة عن عدد القتلى، بينما وصفت وسائل الإعلام في ميانمار المسلمين في بداية الاحتجاجات بالإرهابيين والخونة.
تطهير عرقي
وقد أوردت صحيفة نيويورك تايمز -من جهتها- في تقرير لها في يوليو/تموز 20122 عن أوضاع مسلمي الروهينغا أن ما تعرض له هؤلاء من قتل وتشريد يرقى إلى “التطهير العرقي”، مشيرة إلى أن أوضاع المسلمين تدهورت رغم ما أسمتها الخطوات الديمقراطية التي تحققت في ميانمار.
كما جاء في تقرير للمفوضية العليا للاجئين سنة 2012 أن الروهينغا تعرضوا لكل أنواع “الاضطهاد”، ومنها “العمل القسري والابتزاز وفرض القيود على حرية التحرك، وانعدام الحق في الإقامة وقواعد الزواج الجائرة ومصادرة الأراضي”.
وقالت المفوضية إن ذلك الوضع دفع عددا من المسلمين إلى الفرار، وأشارت إلى أنه من المؤسف أن هؤلاء لم يتم الترحيب بهم -عموما- في البلدان التي يحاولون اللجوء إليها، كما وصفتهم الأمم المتحدة بأنهم إحدى أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم.
ورغم الاعتراف الأممي بالوضع المأساوي لمسلمي ميانمار، فإن رئيس الدولة لم يحرك ساكنا، بل طلب من الأمم المتحدة إيواءهم في مخيمات لاجئين، حيث قال أثناء لقائه مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس “إن الحل الوحيد لأفراد هذه العرقية يقضي بتجميعهم في مخيمات للاجئين أو طردهم من البلد”.
وقد أكد التقرير الدوري لقطاع حقوق الإنسان بالمركز الروهينغي العالمي -الذي غطى شهري فبراير/شباط ومارس/آذار 2015- أن الشرطة المحلية واصلت ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الروهينغا، وأوضح مسؤولو المركز أن هذه الأقلية تعيش محرومة من كل الحقوق الإنسانية المعترف بها من قبل الهيئات والمنظمات ذات الاختصاص.
ومنذ عام 1982، تصنف الحكومة في ميانمار مئات الآلاف من أبناء الروهينغا على أنهم مسلمون بنغال بلا جنسية جاؤوا من بنغلاديش المجاورة، مما جعلهم عرضة للاضطهاد والتمييز العنصري وإساءة المعاملة.
ويحذر الروهينغا من أن الحكومة تختلق مشكلة تلو الأخرى لإبعادهم عن وطنهم أو إجبارهم على قبول العيش كالعبيد في بلدهم.