حادثة مأساوية فارقة حدثت بتاريخ الرابع من نيسان-أبريل من العام الجاري عادت لتخلط الأوراق من جديد, وتغير من الأفكار السائدة عند العديد من المحللين السياسيين والمراقبين المختصين بالشأن السوري وانعكاساته الخطيرة على السياسة الدولية ككل, حادثة مروعة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين السوريين وبتغطية روسية, ليزيد من عدد سطور المجازر الموثقة في سجلات حربه ضد الشعب السوري, وهي مجزرة خان شيخون “المدينة التي تقع في ريف إدلب الجنوبي”, حيث ذهب ضحيتها العشرات من المدنيين الأبرياء الذين قضوا خنقاً بغاز السارين القاتل ..
شكلت هذه الحادثة نقطة تحول كبيرة في عدد من مواقف الدول والقادة الجدد في العالم إيزاء مسألة بقاء رئيس النظام السوري “بشار الأسد” في الحكم أو إزاحته عن السلطة, وخصوصاً بعد الضربة الصاروخية الأمريكية “العقابية” لمطار الشعيرات التابع لقوات النظام, حيث وصفت “عقب الحادثة” مجموعة من وسائل الإعلام العالمية الحادثة بأنها نقطة التحول الحاسمة التي ستغير قواعد اللعبة وربما ستقلب الطاولة على رأس من راهن على ثبات وجهة النظر الأمريكية واستبعاد جانب مكرها, سيما وأن ترامب من أمر باستهداف المطار المذكور, وهنا بدأت العلاقات الأمريكية – الروسية تسلك طريقاً آخر..
تحول العلاقات:
تكشف استطلاعات رأي عديدة تحول الرأي العام الروسي بشكل كبير في توجهاته ناحية الرئيس الأمريكي الجديد، بعد الضربة الأمريكية لقاعدة الشعيرات.
وكشف استطلاع رأي أجراه مركز الأبحاث “فيتسوم” الروسي، أن شعبية ترامب بين الروس انخفضت من 38% وقت انتخابه إلى 13%، فيما وصفه نحو 39% بأنه رمز لـ”الشر” في العالم، بحسب ما نشره تقرير لصحيفة “أوراسيا ديلي مونيتور”، وأوضح الاستطلاع أن 53% من الروس يؤيدون استمرار العمليات الروسية في سوريا.
ونشرت بدورها مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرا أكدت فيه أن وجهة نظر موسكو بعد الضربة الأمريكية تغيرت تماما بشأن ترامب، وباتت تنظر إليه بصورة مشابهة لتلك التي تنظر بها إلى “أوباما أو بوش أو كلينتون”.
أرجع البعض من المحللين سر التحول الخطير لترامب وانقلابه على حالة الود اتجاه الأسد والروس إلى أنه كان يسعى للبحث عن بطولة جديدة من شأنها إعادة شعبيته في الشارع الأمريكي خصوصاً بعد اللغط الكبير الذي أحدثه قراره الشهير بشأن منع دخول مواطنين من سبع دول, أعقبه جدل واسع أيضاً بعد إلغائه قرار “أوباما كير”, لذلك أراد ترامب من خلال الضربات الصاروخية إرسال رسائل لأطراف متعددة داخلية وخارجية مفادها ” أنا رئيس قوي وحازم”, وليس حباً بالسوريين وانتقاما من قتلتهم.
ونجح ترامب إلى حد ما في استمالة الرأي العام للعديد من الأمريكيين, حيث كشف استطلاع للرأي أجراه مركز “هارفارد-هاريس بول” ونشرته صحيفة “هيل” الأمريكية أن 66% من الأمريكيين يؤيدون الهجوم الأمريكي على قاعدة “الشعيرات”.
خيبة أمل الروس:
صحيح أن الأمريكيين أخبروا الروس مسبقاً عن نيتهم استهداف قاعدة الشعيرات, ورغم أن الضربة الصاروخية الأمريكية كانت رمزية ولم تكن بحجم المأساة التي يعيشها السوريون, إلا أنها تحمل رسائل غير مطمئنة لموسكو خصوصاً بعد تصاعد نبرة الخطاب الأمريكي اتجاه النظام السوري حليف موسكو الوثيق على لسان “تيريلسون وهيلي”, وقد خلف هذا الأمر خيبة أمل واضحة عند الروس بعد إعلانهم السابق عن رغبتهم في بدء صفحة جديدة من العلاقات الروسية – الأمريكية, أساسها التفاهم مع زعيم البيت الأبيض الجديد “دونالد ترامب”, الذي نظر إليه الروس فيما بعد بأنه “متسرع” وربما متهور!
وبين النكران الروسي للجريمة بهدف تبرئة النظام السوري منها ولتجنيبه أخطار العقاب والمساءلة القانونية, وبين الإصرار الأمريكي المقترن بدلائل حصلت عليها الاستخبارات الأمريكية تثبت ضلوع النظام السوري بارتكاب المجزرة فقط لا غير, بدأت العلاقات الروسية – الأمريكية تتأرجح أيضاً, فالأمريكان دخلوا على الخط بقوة من اجل لعب دور أكثر حيوية بما يلبي مصالحهم, والروس لم يعودوا يعولوا على ذلك التفاهم “البناء” مع الأمريكيين بالشكل الذي يجعلهم يستمرون بالإنفراد الكامل في الملف السوري على الصعيد السياسي والعسكري, كما حدث في عهد إدارة الرئيس السابق “باراك اوباما”.
المركز الصحفي السوري- حازم الحلبي.