في حادثة هي الأقوى من نوعها منذ تولي الإدارة الأمريكية الجديدة لمهامها في البيت الأبيض بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب, تقوم الولايات المتحدة الامريكية بردة فعل مفاجئة وصاعقة لأشد المتفاءلين والمتشائمين السوريين بعودة الدور الأمريكي المحوري غلى القضية السورية بعد الاستفراد الروسي والإيراني بكامل تفاصيل الملف السوري سياسياً وعسكرياً, فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم ينتظر نتائج تلك المناقشات والمجادلات العقيمة على طاولة مجلس الأمن المستديرة التي حولتها روسيا إلى طاولة لرفع الفيتو فقط في وجه أي قرار من شأنه أن يدين أو يحاسب حليفها في دمشق “النظام السوري”,حيث سارعت الحكومة الأمريكية بعد إدراكها أن الطريق لاستصدار قرار للجم النظام السوري وردعه عن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً هو طريق مسدود ومحكوم بالتعنت الروسي الذي يوفر مظلة سياسية تغطي على جميع جرائم النظام, سارعت للتصرف أحادي الجانب خارج أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة بعد أن استهدفت مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرة سوخوي22 وقامت بهجمات كيماوية ضد مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي.
الفرق بين ظروف ومعطيات الهجومين في خان شيخون والغوطة:
إذا ما قارنا بالهجوم الكيماوي الجديد على مدينة خان شيخون مع الهجوم الكيماوي الفظيع السابق قبل أربعة أعوام والذي استهدف عدد من المدن والبلدات في غوطة دمشق الشرقية فإننا سنجد الكثير من المتغيرات والفوارق:
1-عنصر المفاجأة: هجوم الغوطة الشرقية جاء بشكل غير مفاجئ خصوصاً بعد أن خرج العديد من زعماء العالم ليرسموا خطوطاً حمراء للنظام, وبدأ الحديث بشكل جدي عن خوف المجتمع الدولي من إقدام النظام على مثل هكذا خطوات, سيما وأن كثرة الحديث المفاجئ عن ترسانة النظام من الأسلحة الكيماوية بدأت تتصاعد في ذلك الوقت يوماً بعد يوم, لذلك حذر العديد من المعارضين السوريين من لجوء النظام إلى هذه الهجمات نظراً للرسائل الكبيرة التي وجهها المجتمع الدولي للنظام بشكل مفاجئ وجماعي, بينما جاءت هجمات خان شيخون بعد أن مهد النظام لها على مدى عدة أيام بقصف مراكز سكنية في ريف حماة بغاز الكلور السام دون أن يعلق أحد على هذه الهجمات أو يعطيها جانباً من الأهمية رغم خطورتها.
2-تغير المناخ: وقع الهجوم السابق في فترة صنفها المحللون العسكريون “بالفترة الذهبية” لقوات المعارضة التي كانت تنتشر حول دمشق بشكل شبه دائري, وتهدد مصالح النظام في دمشق بشكل مباشر بين الحين والآخر, إضافة لعدم إعلان روسيا في تلك الفترة عن بدء عملياتها العسكرية الجوية لمساندة الأسد, حتى الخبراء العسكريون الروس المتواجدون في سورية كان يشار لهم في الخفاء, أما اليوم فجاءت هذه الهجمات في ظل ظروف مختلفة كلياً, فالروس متواجدون في الجو وعلى الأرض, وهناك تنسيق عال المستوى للسلامة الجوية بين مطارات النظام العسكرية وقاعدة حميميم في مدينة جبلة على الساحل السوري, الأمر الذي من شأنه أن يضع روسيا في قفص الاتهام ليس بالتغطية عن جرائم النظام وإنما من خلال مشاركتها هذه الجرائم.
3-العلاقات الدولية: حدثت الهجمات الكيمائية على الغوطة الشرقية في وقت كان فيه العالم يدعي صداقته للثورة السورية, حيث تنعقد العديد من المؤتمرات الدولية تحت مسمى “أصدقاء الشعب السوري” وتكون الولايات المتحدة الامريكية برئاسة رئيسها السابق “باراك أوباما” هي أبرز الحاضرين والداعمين السياسيين في هذه المؤتمرات, بينما كان حلف النظام هو نفسه الحلف الحالي المتمثل بالقوتين العالميتين “روسيا والصين”, والقوة الإقليمية إيران, ولم تكن كل تلك الدول قد بدأت فعليا بتنفيذ مشاريعها “مشاريع الدول” على الأرض, فالولايات المتحدة لم تكن متواجدة في الشمال السوري بشكل علني, ولا حتى كل من تركيا وبعض الدول الاوروبية التي بدأت تعلن عن تواجد عسكري لها في الجنوب السوري كبريطانيا مثلاً, حتى حلفاء النظام لم يتمكنوا من تنفيذ مخططهم الكبير في التغيير الديمغرافي في سورية كما هو اليوم.
ردة الفعل: جاءت هجمات النظام الكيماوية ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في وقت كانت فيه حكومة أوباما “الدايمقراطية” هي حكومة أقوال فقط, بينما جاءت هذه الهجمات في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة التي أثبتت أنها إدارة تتصرف بشكل مفاجئ ومخالف للتوقعات.
دلالات الهجمات الأمريكية:
اختلفت آراء الزعماء والسياسيين حول العالم وتباينت مواقفهم, إلا أن أغلبهم عبر عن موافقته لردة الفعل الأمريكية وخصوصاً دول أوروبا الذين دافعوا عن هذا الهجوم بل إن بعضهم دعا لاستمراره على مواقع عسكرية أخرى تابعة لنظام الأسد من أجل إنهاء تلك المذابح التي يتعرض لها الشعب السوري يومياً, في حين عبرت العديد من شخصيات المعارضة الأوروبية عن صدمتها من تصرف “ترامب” كما جاء على لسان زعيمية حزب اليمين المتطرف في فرنسا “ماريان لوبان” التي قالت:
“بالأمس كان ترامب يمد يده لكل من روسيا ونظام الأسد, واليوم يقوم بهجمات ضد مصالح روسيا في سورية تستهدف نظام الأسد, أنا متفاجأة للغاية من تصرفه ولا أفهم ما يريد”.
الواضح من الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت من هذا الهجوم إرسال رسائل سياسية ساخنة للعديد من الأطراف الدولية, أن انحسار الدور الامريكي وابتعاده عن لعب دور في الأزمة السورية قد اتنهى زمانه, وأن الدور الامريكي غير الراضي عن أداء روسيا وإيران في سورية قد عاد وبقوة, وأن الإدارة الامريكية لم تكن صادقة في مشاعرها الودية لكل من بوتين والأسد, لأن الرئيس ترامب أراد أن يقول للجميع أن شخص قوي وأستطيع المغامرة.
على الصعيد الآخر, أوضحت هذه الهجمات الأمريكية على مطار الشعيرات أن الطرفين الروسي والإيراني هما غير مستعدان للتصعيد مع الجانب الامريكي لأنهما يدركان مقدار حجم هذه المغامرة..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.