تمرّ الجمهورية اللبنانية بمخاض إنتاج قانون انتخابي جديد قبل الموعد الأخير لدعوة الهيئات الناخبة، أي بعد أقلّ من شهر، بما يشكّل التحدّي الأبرز للعهد الجديد برئاسة ميشال عون في إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها بعد تمديدين للمجلس النيابي الحالي.
وفيما أعلنت غالبية الأطراف السياسية في البلاد رفضها السير بالقانون القديم (قانون الستين)، فقد بات معلوماً أن أي قانون جديد سيراعي مصالح الأطراف الممسكة بزمام الحكم لو عبر قانون مختلط مؤهّل بالأكثري والنسبيّة على السواء. من هذا المنطلق برزت تصريحات للأقليّات الطائفية تتخوّف من إغفال حقّها بالتمثيل، لكن أبرز المتضرّرين تبقى المرأة اللبنانية التي لم تحظ إلى اليوم بتمثيل عادل لا مناصفة ولا عبر نسبة 30 في المئة التي يضمنها مبدأ الكوتا النسائية والذي يُحكى اليوم عن إمكان اعتماده فعلياً.
أي رجال سيتنحّون للنساء؟
بحسب الناشطة والأستاذة في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت والخبيرة في الإصلاح السياسي كارمن جحا فإن “الوعود بمشاركة المرأة في الانتخابات النيابية المقبلة إيجابية، لكن علينا انتظار اللحظات الأخيرة لتشكيل اللوائح”. وتشير في حديث لـ”العربية.نت” إلى “أنّ الأحزاب أعلنت عن نيّتها العمل بالكوتا النسائية. رئيس المجلس النيابي نبيه بري أعلن ذلك مع بداية العهد الجديد، ورئيس الحكومة سعد الحريري استحدث وزارة لشؤون المرأة وأعلن في أكثر من تصريح أنه لا يقبل بانتخابات من دون كوتا”.
وتعتبر جحا أن الطرح جديّ إلاّ أن العقبة تبقى في النظام الطائفي الذكوري الذي يوصل المقتدرين وأصحاب العلاقات والثروات، وهم غالباً من الرجال ويشركهم في اللوائح، فتتدنّى في المقابل حظوظ المرأة في الوصول إلى مراكز القرار والسلطة.
وتعلّق “أنا في صدد إعداد بحث حول مئة امرأة يعملن في السياسة، الأمثلة كثيرة لعدم انخراطهنّ في العمل السياسي منها ضرورة صرف الأموال للترشح، خصوصاً أن الرجال في العائلات النافذة هم الأكثر استحواذاً على الثروات إضافة إلى ثقافة اجتماعية تدفع العائلات إلى اختيار مرشّح ذكر”.
ويظهر لدى جحا تساؤلان: من هم الثلاثون بالمئة من الرجال الذين سيتخلّون عن مقاعدهم لنساء؟ ولماذا عندما يصل الدور إلى المرأة يبدأ التفتيش عن تلك الأكثر كفاية فيما لا يكون اختيار الرجل وفق هذا المقياس؟. وترى أن الحلّ الوحيد يكون عبر قانون يحتّم إشراك المرأة حتى تتمكن من تخطي العقبات. وتختم “الكوتا هي مرحلة انتقالية تتيح للمرأة الاعتياد على دخول المعترك السياسي وتحدث ديناميّة، وبالطبع الحظوظ المرتفعة ستكون للنساء المنخرطات في الأحزاب”.
أقل من 10 نساء في البرلمان منذ 1952
تغييب وتهميش المرأة اللبنانية في السياسة مسألة تاريخيّة وتراكميّة، إذ لم يبلغ عدد المشاركات في البرلمان إلى اليوم العشرة أسماء، ويؤخذ على معظمهنّ أنهنّ ورثن مقاعدهنّ من والد أو زوج. وقد أعلن الـGlobal Gender Report لعام 2016 أن لبنان احتلّ المرتبة 143 في المنتدى الاقتصادي العالمي لتحقيق التمكين السياسي، بنسبة 8 في المئة من النساء في فئة المشرّعين وكبار المسؤولين.
وفي لمحة تاريخية يتضح أن المرأة اللبنانية نالت حقّها في الانتخاب والترشّح عام 1952. لكن أول امرأة دخلت البرلمان انتظرت حتى 1963، وهي ميرنا البستاني التي ورثت مقعد والدها لسنة واحدة بعد وفاته.
ثم انعدمت الحياة السياسية في البلاد إبان الحرب الأهلية، لتجري أول انتخابات نيابية عام 1992، فازت خلالها 3 نساء هنّ بهية الحريري شقيقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ونايلة معوّض زوجة الرئيس الشهيد رينيه معوّض التي ورثت مقعده بعد اغتياله عام 1991، ومهى الأسعد في جبيل بعد مقاطعة المسيحيين للانتخابات.
وفي دورة 1996 النيابية، حافظت كلّ من الحريري ومعوّض على نيابتيهما، وانضمت إليهما غنوة جلّول المقرّبة من الرئيس الحريري.
عام 2005 انضمت إلى الحريري ومعوّض وجلول في البرلمان كلّ من ستريدا جعجع زوجة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وصولانج الجميّل زوجة الرئيس الشهيد بشير الجميّل وجيلبرت زوين المقرّبة من الرئيس ميشال عون. وفي آخر انتخابات نيابية عام 2009 – لحقها تمديدين لولايتين للمجلس النيابي – فازت نايلة تويني ابنة الشهيد جبران تويني إضافة إلى كلّ من جعجع والحريري وزوين.
7 من أصل 75 حكومة دخلتها نساء
أما إذا انتقلنا إلى مجلس الوزراء، نجد أن فقط 7 من أصل 75 حكومة تشكّلت في البلاد منذ 1942 شاركت فيها سيّدات. وأوّل وزيرتين في تاريخ لبنان كانتا ليلى الصلح ابنة الرئيس رياض الصلح ووفاء حمزة المقربة من الرئيس بري، الأولى وزيرة للصناعة والثانية للصحة العامة. لكن هذه الحكومة لم تدم وتمّ بعدها تأليف حكومة شاركت فيها نايلة معوّض منفردة.
بعد انتخابات عام 2005 عيّنت معوّض وزيرة للشؤون الاجتماعية. وبعد انتخابات 2009 سمّيت حكومة شاركت فيها كلّ من بهية الحريري وزيرة للتربية وريّا الحسن وزيرة للمالية ومنى عفيش وزيرة دولة لشؤون المرأة والطفل.
في 2014 كانت أليس شبطيني الوزيرة الوحيدة في الحكومة واستلمت حقيبة المهجرين والنازحين. في 2016 دخلت عناية عزّالدين الحكومة الحالية للرئيس سعد الحريري وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية.
استعادة هذه الأسماء والأرقام إن دلّ على شيء ، فهو أن المرأة مغيّبة بشكل شبه كلي عن السياسة والحياة العامة في لبنان، علماً أن لبنانيات كثيرات وصلن إلى إدارة شركات عالمية ومناصب سياسية هامة في عدد من دول العالم.
العربية نت