في يناير من العام الماضي وعقب توقيع اتفاق الصخيرات بنحو شهر خرج القيادي في حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمين، صالح المخزوم، ليقول على إحدى القنوات التلفزيونية المحسوبة على الإسلاميين، “لقد أزحنا حفتر من المشهد بجرة قلم” في إشارة إلى المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات التي تنص على تحول المناصب السيادية والعسكرية إلى سلطة المجلس الرئاسي بمجرد توقع اتفاق الصخيرات بما فيها منصب القائد العام للجيش الذي يتولاه المشير ركن خليفة حفتر.
الكثيرون هم من اعتقدوا أن حفتر قد انتهى بمجرد توقيع اتفاق الصخيرات، لكن سيطرته على الموانئ النفطية في سبتمبر الماضي، إضافة إلى الانتصارات العسكرية التي حققها في مدينة بنغازي، جعلت عدة دول تعيد حساباتها تجاه المؤسسات الشرعية في المنطقة الشرقية لعل أبرزها دولتا الجوار تونس والجزائر اللتان استقبلتا الفترة الماضية المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
اليوم وبعد سنة على توقيعه، يرى مراقبون أن اتفاق الصخيرات بات بمثابة المنتهي حيث لم يتبق منه سوى مجلس رئاسي منقوص بعد استقالة موسى الكوني وتعليق عضوين ممثلين للسلطات شرق البلاد لعضويتهما وهما عمر الأسود وعلي القطراني، إضافة إلى بقايا حكومة ما انفك وزراؤها يستقيلون، الواحد تلو الآخر، في حين كثفت الأطراف الإقليمية وخاصة دول الجوار من محاولاتها لإيجاد صيغة توافقية تنهي الصراع القائم منذ نحو ثلاث
سنوات.
لكن مراقبين يرون أن التوصل إلى اتفاق مع المشير حفتر بات اليوم أكثر من صعب بعد أن ارتفعت أسهمه داخل ليبيا وخارجها، في حين كان من الممكن التوصل إلى اتفاق معه لو لم تصر الأطراف السياسية على تهميشه واستبعاده في اتفاق الصخيرات.
وبحسب هؤلاء فإن حفتر والسلطات الموجودة شرق البلاد عموما، سترفع مما لا شك فيه بعد هذه الانتصارات من سقف شروطها، الأمر الذي سيرفضه التيار الإسلامي الذي مازال يحظى بدعم غربي خاصة إيطاليا وبريطانيا.
ويبدو حفتر متجاهلا للعملية السياسية ومصرا أكثر من أي وقت مضى على الحسم العسكري، وهو الأمر الذي يفسره الكثيرون بفقدانه الأمل في جدية خصومه والأطراف الداعمة، في إيجاد حل توافقي عادل يرضي المنطقة الشرقية، وهو الأمر الذي تؤكده تصريحات القادة العسكريين كان آخرها تصريح رئيس الأركان العامة عبدالرازق الناظوري، الذي قال إن تحرير الجفرة سيكون الهدف المقبل، ليتم بعدها التوجه نحو تحرير طرابلس من سيطرة الميليشيات الإسلامية.
وقال المحلل السياسي عزالدين عقيل في تصريح لـ”العرب”، إن موقف حفتر السلبي من العملية السياسية، كان بسبب تهميشه واستهدافه والتعامل معه كرقم مهمل خارج اللعبة.
عقيل يرى أنه لن يكون لحفتر خيار أمام الإرادة الدولية المتحكمة بالوضع الليبي لو اعترفت به كجزء أساسي من المشهد الانتقالي في ليبيا وهو ما لم يحدث حتى الآن خاصة مع التصعيد الإيطالي باختراق المياه الإقليمية الليبية والذي يبدو أنه سيتحول إلى فعل سافر عقب إعلان وزيرة الدفاع الإيطالية عن أن وقف الهجرة غير الشرعية يتطلب الانطلاق من المياه الإقليمية الليبية وليس الدولية.
وتتمركز قوات ايطالية منذ شهر أكتوبر الماضي في قاعدة عسكرية بمدينة مصراتة (مدينة مناوئة لحفتر وللمنطقة الشرقية) بتعلة حماية طاقم طبي يشرف على مستشفى ميداني تم إنشاؤه من قبل ايطاليا لمعالجة جرحى عملية البنيان المرصوص أثناء الحرب التي خاضوها من أجل تحرير سرت من تنظيم داعش، لكن مراقبين يتساءلون عن دور هذه القوات وهذا المستشفى بعد انتهاء المعركة.
والأربعاء، دخلت حاملة الطائرات الروسية “الأميرال كوزينتسوف” إلى المياه الليبية الإقليمية، حيث التقى حفتر على متنها برئيس الأركان العامة الروسي فاليري جيراسيموف كما تواصل مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو.
وتعليقا على هذه الخطوة، قال عقيل إن ما قامت به روسيا من خلال هذه الخطوة العابرة يعتبر بمثابة إعلان رسمي وجدي لانحيازها عسكريا إلى جانب قوات الجيش الليبي في صورة حدوث أي تصعيد على المدى القريب، إضافة إلى إثبات حضورها أمام الأساطيل الغربية التي بدأت باختراق المياه الإقليمية.
وتصاعدت مخاوف الليبيين عقب هذه الخطوة من إمكانية انزلاق ليبيا نحو السيناريو السوري بعد التدخل الروسي، وهو الأمر الذي حذر منه عقيل الذي اعتبر أن الانجرار نحو هذا السيناريو يبقى الخطر الأكبر الذي سيكون الشعب الليبي الخاسر الأكبر من ورائه جرّاء الانهيار والدمار الذي سيلحق ببلادهم.
لكنه اعتبر في ذات السياق، أن دخول روسيا على الخط ودعمها الصريح للجيش، سيعجل من حسم الصراع في ليبيا سواء كان عسكريا أو سلميا. وظلت روسيا على مدى حوالي سنتين من الحوار الليبي تراقب الأزمة عن بعد ولم تتدخل فعليا فيها بأي شكل من الأشكال رغم تصريحاتها المساندة لمجلس النواب والجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وتعتبر الحرب القائمة في ليبيا حربا بالوكالة بين عدة دول، ولهذا الأمر يرى مراقبون أن من سيحدد طريقة حسم النزاع في ليبيا لن يكون حفتر ولا خصومه الليبيين، وإنما الأطراف الدولية المتصارعة حول هذه البلاد.
ويتوقع مراقبون أن يحظى التوجه الروسي بدعم أميركي من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب المقبلة، فصمت الإدارة الأميركية، على الخطوة الروسية، دليل على وجود توافق روسي أميركي تجاه سبل مكافحة الإرهاب في المنطقة.
وبحسب عقيل فإن كل المؤشرات تدل على أن الكفة سترجح لصالح التوجه الروسي في ليبيا الداعم للمشير خليفة حفتر، فمصر والجزائر قوتان إقليميتان حليفتان لروسيا، كما أن روسيا بإمكانها استمالة إيطاليا التي تعتبر المتضرر الأكبر من الأزمة الليبية، أما الموقف الفرنسي الحالي فهو محسوب على حفتر.
كل هذا يجعل بريطانيا المتهمة بدعمها للتيار الإسلامي في ليبيا، في موقف صعب وضعيف أمام أي صراع محتمل.
العرب اللندنية